جورج غالاوي: السياسي البريطاني برتبة مقاوم فلسطيني

جورج غالاوي: السياسي البريطاني برتبة مقاوم فلسطيني

تاريخ النشر : 21:14 - 2024/09/03

في عالم السياسة المعقد والمتغير، تظهر بين الحين والآخر شخصيات تقف في وجه التيارات السائدة، حاملةً راية الحق والعدالة، متحديةً الأصوات التي تحاول إسكاتها. ومن بين هذه الشخصيات الفذة، يبرز اسم السياسي البريطاني جورج غالاوي، الرجل الذي جعل من قضية الشعب الفلسطيني قضية حياته، مقدماً مثالاً نادراً للشجاعة والتفاني في وجه الضغوط الهائلة.

البدايات: رحلة من اليسار البريطاني إلى العالمية

ولد جورج غالاوي في مدينة دندي الإسكتلندية عام 1954، ونشأ في كنف عائلة متواضعة ذات ميول سياسية يسارية. كانت طفولته مليئة بالتجارب التي صقلت حسه الإنساني وجعلته يشعر بعمق الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي يحيط به. منذ صغره، أبدى اهتماماً شديداً بالقضايا الإنسانية والعدالة الاجتماعية، مما دفعه للانخراط في العمل السياسي في سن مبكرة. انضم غالاوي إلى حزب العمال البريطاني وهو في السادسة عشرة من عمره، وأصبح سريعاً من أبرز وجوهه على الساحة السياسية البريطانية.

لم تكن مسيرة غالاوي السياسية تسير على خط مستقيم؛ فباعتباره مدافعًا عن العدالة الاجتماعية وحقوق الشعوب المظلومة، لم يتردد في تحدي السياسات السائدة داخل حزبه وخارجه. ورغم نشاطه في العديد من القضايا المحلية والدولية، إلا أن قضية الشعب الفلسطيني كانت دائماً في صلب اهتماماته. منذ سنواته الأولى في السياسة، عرف عنه دفاعه المستميت عن حقوق الفلسطينيين، ورفضه الشديد للاحتلال الإسرائيلي وسياسات الاستيطان والتمييز.

التحديات والمواقف المثيرة للجدل

خلال مسيرته الطويلة، لم يكن غالاوي رجلاً يخشى التعبير عن آرائه، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة العواقب. في عام 1988، ألقى خطابًا في البرلمان البريطاني أدان فيه الغزو الإسرائيلي للبنان وأشار إلى المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين. أثار هذا الخطاب غضب العديد من الأطراف داخل بريطانيا وخارجها، لكنه أكد مكانة غالاوي كصوت جريء في الدفاع عن العدالة.

على مر العقود، واجه غالاوي العديد من التحديات بسبب مواقفه الصريحة والداعمة للفلسطينيين. فقد كان له دور بارز في تنظيم الحملات الإنسانية لنقل المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر، بما في ذلك مشاركته في قوافل "فيفا فلسطين" التي تحدت الحصار الإسرائيلي لإيصال المساعدات إلى المحتاجين. لم تكن هذه القوافل مجرد أعمال خيرية، بل كانت أشكالًا من المقاومة المدنية التي سعت لكسر الحصار وتسليط الضوء على المعاناة اليومية للفلسطينيين.

لم تكن مواقفه تمر دون ردود فعل قوية من خصومه السياسيين ووسائل الإعلام الموالية لإسرائيل، حيث تعرض لانتقادات لاذعة وحملات تشويه، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة دفاعه عن القضية الفلسطينية. بل على العكس، زادته هذه الهجمات إصراراً على الوقوف بجانب الفلسطينيين، مهما كان الثمن. لم يكن غالاوي رجلًا يُرضي الآخرين، بل كان رجلاً يرضي ضميره، حتى لو كان ذلك يعني فقدانه الدعم السياسي.

الفصل من حزب العمال: بداية جديدة

في عام 2003، اتخذ حزب العمال البريطاني قرارًا بفصل جورج غالاوي من صفوفه، وذلك بسبب معارضته الشديدة للحرب على العراق، وانتقاداته اللاذعة لسياسات الحزب الذي كان يقوده حينذاك توني بلير. لم يكن الفصل مجرد إجراء تأديبي؛ بل كان نقطة تحول في حياة غالاوي السياسية. لقد رأى أن طريقه في حزب العمال قد وصل إلى نهايته، وقرر أن يمضي قدمًا في طريق جديد أكثر استقلالية.

أسس بعد ذلك حزب "الاحترام" (Respect Party)، الذي رفع شعار العدالة والكرامة لجميع الشعوب، مع تركيز خاص على دعم حقوق الفلسطينيين. كانت هذه الخطوة بمثابة ولادة جديدة لغالاوي، حيث وجد في حزب الاحترام منصة حرة لمواصلة نضاله ضد السياسات الإمبريالية والدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة. من خلال هذا الحزب، استمر غالاوي في إثارة القضايا المرتبطة بفلسطين، وأصبح أحد أبرز المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية. كانت خطاباته في البرلمان البريطاني ومداخلاته الإعلامية دائماً مفعمة بالحماسة والجرأة، متناولاً القضايا المسكوت عنها بكل صراحة ووضوح.

إرث غالاوي: صوت الأمل والعدالة

لم يكن جورج غالاوي مجرد سياسي يدافع عن قضية ما، بل كان رمزاً للأمل والعدالة للكثيرين حول العالم. عبر مسيرته، نجح في لفت أنظار الرأي العام إلى معاناة الشعب الفلسطيني، وساهم في إحداث تحول في نظرة العديد من البريطانيين والعالميين تجاه الصراع في الشرق الأوسط. لم يتوقف تأثيره عند حدود السياسة، بل امتد إلى مجالات الإعلام والثقافة، حيث قدم برامج تلفزيونية وإذاعية تناقش القضايا الدولية بجرأة وموضوعية، ما جعله صوتاً مسموعاً في كل بيت.

من خلال استضافته لبرامج مثل "الكلمة الأخيرة" (The Mother of All Talk Shows) على قناة "بريس تي في" (Press TV)، نجح غالاوي في خلق مساحة حوار حول قضايا حقوق الإنسان والسياسات العالمية، حيث لم يكن يتوانى عن انتقاد السياسات الإسرائيلية وتوجيه أصابع الاتهام إلى من يتواطأون في الظلم.

يبقى جورج غالاوي رمزاً للالتزام والإخلاص لقضايا الحق، وخاصة قضية فلسطين. رغم الصعوبات والضغوط، ظل وفياً لمبادئه، مقدماً نموذجاً فريداً في السياسة العالمية. إرثه لا يتمثل فقط في مسيرته السياسية، بل في إرادته التي لم تنكسر، ودفاعه الذي لم يتراجع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

أعلنت السلطات في هندوراس بعد ظهر اليوم الأربعاء، فوز المرشح المدعوم من الرئيس الأمريكي دونالد ترا
00:30 - 2025/12/25
نددت الخارجية الفرنسية بـ "المبادرة العدائية الواضحة" تجاه استئناف الحوار الفرنسي الجزائري أو تهد
23:22 - 2025/12/24
سجلت ولاية المدية الجزائرية مساء اليوم الاربعاء 24 ديسمبر، هزة ارضية بقوة 3.9 درجات على سلم ريشتر
22:43 - 2025/12/24
وسط أزمة وجودية تعيشها إسرائيل جراء "طوفان الأقصى"، صوت الكنيست على تشكيل "لجنة تحقيق بديلة" وصفه
19:56 - 2025/12/24
صادق البرلمان الجزائري، الأربعاء، بالإجماع على قانون يجرم الاستعمار الفرنسي للجزائر بين عامي 1830
16:00 - 2025/12/24
أجري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الأربعاء، اتصالا هاتفيا برئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبي
14:22 - 2025/12/24
كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في تصريحات نُشرت اليوم الأربعاء، أن المقترح الجديد لإنها
13:30 - 2025/12/24
أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا اليوم الأربعاء، العثور على الصندوق الأسود وجهاز تسجيل الص
11:20 - 2025/12/24