المشيشي "دون كيشوت" السلطة الجديد.. حكومة آيلة للسقوط

المشيشي "دون كيشوت" السلطة الجديد.. حكومة آيلة للسقوط

تاريخ النشر : 12:54 - 2020/10/23

مرة أخرى يسجل هشام المشيشي رئيس الحكومة "لمستقلة" حديثة العهد بالسلطة ودواليب الدولة سقوطا حرا مباشرا خلال حواره التلفزي الأخير الذي أراد من خلاله ارتداء عباءة المنقذ الوطني لما بقي من أنقاض الاقتصاد والإرادة الوطنية فيتجاوز الأزمة الحالية، المشيشي خلال خطابه  شدد بكل "صرامة" على أنه لا مجال لأي سياسي أن يكون فوق القانون وأن حكومته ستطبق "قانونها" بكل جدية وحزم متناسيا أن الأيادي المرتعشة لا تصنع التاريخ ولا تحقق  مطالب الشعب.
من خلال كلمات مبعثرة ولغة خشبية تذكر بروتينية الإدارة التونسية وجمودها جاء خطاب المشيشي الذي تناول فيه جملة من المواضيع الحساسة التي تمر بها البلاد حاليا خاليا من الديناميكية والمرونة في التعامل مع الأزمات وكشف عن هوة حقيقية تفصل رئيس الحكومة وفريقه المختار من المستقلين عن واقع الشعب التونسي وأزماته.

توارث الفشل والصراعات الوهمية..
يعاني التونسيون إضافة إلى ازمة كورونا المستجدة من أعباء مالية و جبائية ضخمة وانهيار اقتصادي غير مسبوق أوصل معدلات البطالة إلى أقصاها منذ ثورة 2011 ، إضافة إلى انتشار الفساد داخل أجهزة الدولة وتمظهره علنا بينما تقف الدولة عاجزة عن إيقافه نظرا لوصله إلى أعماق الدولة ومفاصل الحكم، رئيس الحكومة أكد على ضرورة تطبيق القانون و اظهر حزما ذكر بفرسان العصور الوسطى في القصص الخيالية الذين حملوا على عاتقهم تخليص شعوبهم من الوحوش المتربصة بهم، لكن رئيس الحكومة نسي أو تناسى أن وحوش البطالة والفقر والفساد ليست كيانات مستقلة عن المنظومة بل هي في داخلها ومتجذرة داخل الإدارة التونسية.
حاول رئيس الحكومة خلال الأسابيع القليلة الفارطة التصدي لموروث من البيروقراطية والفساد تورثه الحكومات المتعاقبة بعضها لبعض في حركة دونكيشوتية بامتياز، خطابات جافة تكشف الصراع الدائر بين قرطاج والقصبة وتنصبه فزّاعة أمام الرأي العام تمهيدا لتعليق فشله على عاتق الصراعات الداخلية ولوبيات "تعطيل الأعمال" و"عرقلة الناجحين " فيما بعد، عندما يثبت فشل اختياراته الإستراتيجية والإدارية لتسيير الحكومة.
أول أخطاء المشيشي كان الاعتماد المطلق على دعم رئيس الدولة في تشكيل حكومة غير متحزبة أقصت مكونات المشهد السياسي والبرلماني من العملية وهو ما أورثه حقدا دفينا لدى هؤلاء لم يمر مرور الكرام، فرغم مرور التركيبة الحكومية شكليا بدعم البرلمان إلا أن المعركة الحقيقية بدأت بعد تنصيب الحكومة.
الكفاءات المستقلة التي استعان بها المشيشي لم تقدم إلى الآن برنامجا واضحا للنهوض بالاقتصاد التونسي خلال سنة 2021، وهي السنة التي سيشهد فيها العالم تغييرات جذرية بعد مرور أزمة كورونا، ستنهار اقتصاديات عظمى و ستنهض أخرى على أنقاض سابقاتها، وهو تغيير عالمي لم تعد له تونس العدة سوى بقانون مالية أجوف أثار الضحك والبكاء في آن.
قانون المالية الذي تقدمت به الحكومة ارتكز على الجباية والترفيع في أسعار المحروقات والتبغ والمشروبات الكحولية وبعض المواد الاستهلاكية كالسكر، وخفّض في الضرائب على اليخوت ووسائل النقل الفارهة والترفيهية، وقدم مقترحا لإدماج السوق الموازي داخل المنظومة المالية بصورة تدريجية وتيسير احتواء المبالغ المالية الضخمة في السوق السوداء داخل الموازنة المالية العامة، وهي كلها حلول هشة تعكس تخطيطا عشوائيا لم يدرس واقع الأزمة الحالية ولا تبعاتها.
حكومة توافقية مصغّرة هي الحل..
حكومة المشيشي تتعثر حاليا أمام حجم المسؤوليات المهول الملقى على عاتقها، وسيؤول بنيانها للسقوط عاجلا أم آجلا، بينما يتصدى رئيسها وأذرعه الإعلامية والسياسية لما أسماه "مؤامرات" لعرقلة العمل الحكومي، بينما كان الحل موجودا من قبل الدخول في عنتريات لا جدوى منها وهي تجنب الصراع المفتعل مع قصر قرطاج والبرلمان عبر تشريك جميع الأطراف السياسية في صياغة حكومة توافقية مصغّرة، تراعي التوازن بين الكفاءات والأحزاب، لا تتجاوز 15 حقيبة وزارية وهم كالآتي: وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، وزارة الخارجية وشؤون الهجرة، وزارة الصحة، وزارة الفلاحة والموارد المائية والبحرية، وزارة التربية والتعليم العالي، وزارة المرأة والشباب والطفولة، وزارة المالية والاقتصاد، وزارة النقل، وزارة الاتصالات والتكنولوجيا، وزارة العدل، وزارة الشؤون الاجتماعية والمسنين، وزارة السياحة والثقافة، وزارة الطاقة والصناعة والمناجم،  وزارة التجهيز والإسكان وأملاك الدولة.
في نفس الوقت يتم الإعلان عن  اعتماد اقتصاد الحرب والضغط على المصاريف الحكومية من خلال تخفيض رواتب الوزراء ورئيس الحكومة إلى النصف، الاستغناء عن السيارات الإدارية غير الضرورية، الاستغناء عن الوقود المجاني للوزراء والإطارات، زيادة ساعات العمل لرؤساء المصالح والإطارات مع اقتطاع أجر الساعات الإضافية من أعبائهم الجبائية، توحيد نظام العمل واعتماد المراسلات الالكترونية وسيلة وحيدة للتواصل مع المصالح الإدارية لعصرنة الإدارة والاستغناء عن المعاملات الورقية تدريجيا في غضون 3 أشهر واستبدالها بمعرف رقمي وحيد.
كل هذه الإجراءات قابلة للتطبيق في أقرب الآجال لو تم التخلي عن المواجهات الوهمية والنظر بعمق داخل المجتمع التونسي بعيدا عن الحسابات الضيقة التي لا تنفك تدفع بتونس نحو الهاوية.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

في شهر أكتوبر: 2 أكتوبر تاريخ تحرير بيت المقدس أيام صلاح الدين الأيوبي.
16:12 - 2024/05/14
تعتبر مدينة المتلوي أوّل مدينة يصلها القطار ذلك أنّ السكّة الحديديّة مدّت إليها تحديدا يوم 19 أفر
09:29 - 2024/05/14
الجامعات الغربية تقول اليوم كلمتها من خلال الحراكات  الطالبية وليس غريباً أن تكون غزة التي تشهد أ
09:29 - 2024/05/14
استُكْمِلَ تنصيبُ المجلس الوطني للجهات والأقاليم بِمركزيته،  وأقاليمه،  وولاياته،  ومعتمديّاته،  
08:57 - 2024/05/13
قالها وزير الفلاحة مخاطبا فلاحا طلب منحه رخصة لحفر بئر فتعللت الادارة بانتظار اجتماع لجنة اسناد ا
08:57 - 2024/05/13
لقد استغل المرحوم علي البلهوان كل المناسبات (ابّان فترة الإستعمار) ليدعوا الناس إلى مواصلة النضال
08:57 - 2024/05/13
أعادت ملحمة «طوفان الأقصى» بعد مرور سبعة أشهر على انطلاقتها الاعتبار لمفاهيم التحرّر الوطني والعز
08:57 - 2024/05/13
نصبُوا خيامهم، ورفعوا أعلامهم، وأشهروا لافتاتهم بين تلافيف ساحات أعرق، وأشهر الجامعات الأمريكيّة،
08:57 - 2024/05/13