مع الشروق.. الدفع بواسطة الجوال... و«خُرافة» الرقمنة

مع الشروق.. الدفع بواسطة الجوال... و«خُرافة» الرقمنة

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/06/24

رغم أن الإعلان مؤخرا عن إطلاق خدمة الدفع بالهاتف الجوال في تونس خلّف شعورا بالارتياح لدى كثيرين بالنظر إلى أهميتها في تسهيل حياة المواطن وتسريع قضاء الشؤون، إلا أن ذلك لم يمر دون أن يثير حالة من الاستياء بسبب تأخر العمل بهذه الخدمة وبغيرها من الخدمات الرقمية الأخرى إلى حد الآن. فعديد الدول شرعت في هذه الخدمات منذ عدة سنوات، لكن في تونس ظل هذا الأمر مجرد كلام يُردده المسؤولون كل عام وظل معه مشهد طوابير الانتظار قائما إلى اليوم أمام أغلب الإدارات لاستخراج وثيقة أو لخلاص معلوم أو لابرام عقد او لتسجيل تلميذ او طالب..
لم يمر عام واحد من أعوام العشرية الماضية دون ان يروي فيه رئيس الحكومة او الوزير المكلف بتكنولوجيات الاتصال على مسامع التونسيين "خُرافة" رقمنة الإدارة والخدمات الإدارية واستخراج الوثائق الإدارية عن بعد والدفع باستعمال الجوال.. غير انه مع تقدم الأعوام يكتشف التونسيون أن ذلك ليس سوى مُجرّد وعود وهمية يستعملها البعض للترويج السياسي والحزبي ولتلميع الصورة دون أن يلمس المواطن شيئا على أرض الواقع، وظلت خدمات "التعريف بالامضاء" و"النسخ المطابقة للأصل" والتصريح على الشرف" وغيرها كوابيس تلاحق التونسيين كلما همّوا بقضاء شأن ما..
ومن المفارقات الكبرى اليوم في تونس أن أغلب المواطنين أصبحت لهم إمكانية النفاذ إلى المجال الرقمي والتكنولوجي في كل وقت وفي كل مكان سواء عبر الهاتف الجوال الذكي والعادي او عبر الحواسيب في المنزل وفي مواقع العمل أو عبر المحلات العمومية للانترنات.. لكن رغم ذلك مازالت الدولة تصرّ على فرض التعامل باعتماد الوثائق الورقية العديدة التي يتطلب استخراجها الحضور الشخصي والتنقل والوقوف في طوابير الانتظار ساعات وأحيانا أيام، وتفرض الدفع بواسطة السيولة المالية. وهو ما يؤكد أن إرادة الدولة في هذا المجال مازالت ضعيفة ولم يواكب مسؤولوها التطور والتقدم الذي عرفته عديد الدول منذ سنوات..
وأكثر من ذلك، فقد اتضح وفق أغلب الدراسات أن الرقمنة والاعتماد على التكنولوجيات الحديثة في المعاملات الإدارية والمالية أفضل وسيلة لمحاربة الفساد. وفي المقابل، يُساعد الاعتماد على الوثائق الورقية والأموال السائلة خاصة في الإدارات والهياكل العمومية على ارتكاب التجاوزات والسرقات ويمكّن آخرين من الإفلات من العقاب ومن تجنب الرقابة الحينية خاصة بالنسبة للتهرب الضريبي والتحيل والتدليس. وهو ما يمكن أن يؤكد الرواية التي تقول أن هناك توجها متعمدا داخل بعض أجهزة الدولة يحول دون التوجه نحو الرقمنة حتى يبقى المجال مفتوحا أمام البعض لارتكاب مثل هذه التجاوزات التي يُتيحها التعامل الحضوري مع طالبي الخدمة والتعاطي الملموس مع الوثائق الورقية..
اليوم، ينتظر التونسيون أن تكون خدمة الدفع بواسطة الجوال التي أعلنها مؤخرا البنك المركزي والبنوك حقيقة وليست وهما أو مجرد وعد زائف.. وينتظرون أيضا أن تتحرك وزارة تكنولوجيات الاتصال وغيرها من الهياكل العمومية والخاصة المعنية بالرقمنة والتكنولوجيات الحديثة والاتصالات أكثر فأكثر من اجل وضع حدّ لظاهرة "التخلف" الرقمي والتكنولوجي في البلاد ولظاهرة الاستعمال المفرط للوثائق الورقية في الإدارات. غير ان ذلك يتطلب من السلطة التعبير عن إرادة سياسية واضحة وصارمة في هذا المجال حتى لا يتمكن البعض من عرقلة هذا التوجه للتمادي في ارتكاب الفساد والتجاوزات المختلفة التي يسمح بها "التخلف الرقمي"..
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك