مع الشروق.. بين روسيا والأطلسي .. اللعب... على حافة الهاوية

مع الشروق.. بين روسيا والأطلسي .. اللعب... على حافة الهاوية

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/02/16

بلغ التصعيد ذروته بين روسيا من جهة، وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى على خلفية الأزمة مع الجارة «اللدودة» أوكرانيا... أزمة خلقها تمدّد حلف شمال الأطلسي وتمططه داخل «الجمهورية السوفياتية» السابقة. بما بات يهدد بتحويلها إلى خاصرة رخوة لروسيا ويضع الأمن القومي لفيدرالية روسيا على المحكّ.
والواضح أن روسيا بوتين تعير مسألة أمنها القومي أولوية قصوى. والدب الروسي لا يتردد في التكشير عن أنيابه كلما تعلق الأمر بتهديد ولو من الدرجة العاشرة للأمن القومي الروسي... فما بالنا والأزمة الأوكرانية التي سبّبها تمدد حلف شمال الأطلسي حوّل التهديد تقريبا إلى داخل البيت الروسي.. وبدا وكأنه حلقة جديدة من سلسلة طويلة ما فتئت أمريكا ومن ورائها حلف شمال الأطلسي يطوّق بها فيدرالية روسيا من خلال بسط نفوذها داخل الجمهوريات السوفياتية السابقة التي بمجرد انهيار عقد الاتحاد السوفياتي سارعت إلى الارتماء في أحضان الغرب الرأسمالي كرد فعل على الانتماء السابق للمعسكر الشرقي وللنظام الشيوعي الذي كانت تتبعه.
ومازلنا نذكر العديد من الأزمات التي سببها تمدد حلف شمال الأطلسي في بولونيا أو في باقي جمهوريات أوروبا الشرقية سابقا وفي دول البلطيق وكلها كانت عبارة عن حدائق خلفية لفيدرالية روسيا وساحات متقدمة يستغلها الدب الروسي لصد النوايا العدوانية الغربية ولوقف النزوع الغربي المحموم لتطويق روسيا تمهيدا لتطويعها وتحويلها إلى قوة تابعة من جهة وإلى سحبها بعيدا عن أحضان الحليف الصيني من جهة أخرى. هذا الحليف الذي يقاسم روسيا نفس المخاوف والهواجس والذي يجد في تعميق الروابط مع روسيا درعا يقي الطرفين شرور التمدد الغربي من أوروبا إلى آسيا مع ما يمثله من تهديد مزدوج لكل من روسيا والصين.
ولأن خطوة التمدد الغربي ـ الأطلسي في أوكرانيا هي الخطوة الزائدة فقد أفاضت كأس الصبر والتعقل الروسيين وهو ما جعل الدب الروسي يفقد هدوءه ويكرر زئيره لتأكيد نفوذه في المنطقة... كذلك لتأكيد أن أوكرانيا هي ساحة متقدمة لتحقيق وتدعيم الأمن القومي الروسي، وبأن التوغل داخلها وتحويلها إلى قطعة في رقعة الشطرنج الأمريكية ـ الأطلسية هو خط أحمر دونه حشد الجيوش والأساطيل والتهديد بالغزو الشامل لأوكرانيا لو أدى ذلك إلى إشعال حرب كونية لا تبقي ولا تذر.
وهو ما نقل الصراع أو لنقل لعبة الأمم والمصالح بين الطرفين الروسي والأمريكي الغربي من حافة الهاوية إلى بداية السقوط في الهاوية... حتى بدا وكأن الغزو الروسي مسألة أيام أو ساعات معدودة لتتحرك الجهود الدبلوماسية من واشنطن إلى باريس وبون وغيرها من العواصم بغية احتواء الأزمة والحيلولة دون اندلاع الشرارة الأولى لنزاع قد يفضي إلى حرب عالمية ثالثة سوف يصعب أو يستحيل احتواؤها. وهو ما سوف يضع السلم والأمن الدوليين وحياة البشرية برمتها على كف عفريت!
ولئن بدت في الساعات الأخيرة مؤشرات حقيقية لبداية نزع فتيل الأزمة ولتغلب لغة الحوار والحكمة على لغة الحشد والتصعيد والتهديد فإن ذلك لا يعني نهاية الأزمة، لأن الإشكال يبقى في النوايا التوسعية حيث يسعى الغرب بدفع من الإدارة الأمريكية إلى بسط نفوذه على كل المناطق الاستراتيجية تكريسا لهيمنة أمريكا على العالم ولتفردها بسيادة وسياسة شؤون العالم وتحكّمها في نظام دولي أحادي القطبية لا مكان فيه لطموحات روسيا والصين ولا حتى الحليف الأوروبي للعب دور على الساحتين الإقليمية والدولية... وسوف لن يستتبّ الأمن والسلم الدوليان إلا بتسليم القطب الأمريكي بأن عالما متعدد الأقطاب هو ضمانة للسلم ولنجاة البشرية جمعاء.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك