مع الشروق..الإدارة التونسية... و«خُرافة» الرّقمنة

مع الشروق..الإدارة التونسية... و«خُرافة» الرّقمنة

تاريخ النشر : 07:00 - 2021/09/10

على امتداد الأعوام الماضية، لم يمر رئيس حكومة أو وزير لتكنولوجيات الاتصال دون أن يروي على مسامعنا "خرافة" رقمنة الخدمات الإدارية وتحديث الإدارة وانهاء العمل بالوثائق الورقية وتوفير الخدمات عن بعد.. خرافة يقع تكذيبها وفضحها مع حلول شهر سبتمبر من كل عام، عندما يكون التونسيون على موعد مع كابوس الاكتظاظ والطوابير والخدمات البطيئة في الإدارات والبنوك والبلديات ومراكز البريد والصناديق الاجتماعية والمراكز الأمنية والقباضات المالية والمعتمديات والولايات وغيرها لاستخراج أكداس من الأوراق والوثائق المطلوبة للعودة المدرسية والجامعية .
في شهر سبتمبر 2021، لم يختلف المشهد داخل الإدارات التونسية عن مشاهد سبتمبر على امتداد أكثر من 60 عاما.. فهاجس "التعريف بالإمضاء" و" الشهادة المطابقة للأصل" و"الظروف المتنبرة" ومضامين الولادة وشهادة الإقامة والتصاريح الجبائية والطباعة والصور الفوتوغرافية الورقية وغيرها من الوثائق المطلوبة لترسيم الأبناء في المدارس والمعاهد والجامعات و المبيتات الجامعية أو للدراسة في الخارج ما زال قائما. وهي المعاناة اليومية التي يتكبدها التونسي على مدار العام لاتمام الخدمات الإدارية اليومية كخلاص فواتير الماء والكهرباء والهاتف وإبرام العقود المختلفة.
ورغم أن عديد الدول قطعت أشواطا كبرى نحو الرقمنة وتحديث الإدارة والتخلي أقصى ما يمكن عن الوثائق الورقية وجعلت أغلب الخدمات الإدارية والتجارية والمالية وغيرها تتم بواسطة التكنولوجيات الحديثة، وكثفت من الخدمات عن بعد خاصة مع حلول ازمة كورونا، إلا أن تونس اختارت التخلف عن الركب والمواصلة في خيار الوثائق الورقية بالنسبة لعديد المعاملات. وهو ما أصبح يمثل عائقا حقيقيا أمام المواطن لقضاء شؤونه في أسرع وقت وأمام الفاعلين الاقتصاديين لمواكبة التحولات العالمية والتفاعل السريع مع شركائهم في بقية الدول بالنسبة للتصدير والتوريد وإبرام  الشراكات المختلفة.
وإلى جانب التعطيلات المختلفة، أصبح الاعتماد على الوثائق الورقية اليوم يمثل مجالا مفتوحا أمام كثيرين للتمادي في ممارسة الفساد وللتهرب من المراقبة الجبائية، وسط الحديث عن وجود تعمد لدى بعض الفاعلين داخل أجهزة الدولة لعدم التوجه التام نحو الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة حتى يبقى المجال مفتوحا أمام ارتكاب التجاوزات والممارسات المشبوهة التي يوفرها التعامل الحضوري بالوثائق الورقية.. فكم من وثيقة أو ترخيص يكون لصاحبها كامل الحقوق في الحصول عليها دون أية شروط أو تعقيدات تتحول إلى مصدر مساومة وابتزاز ورشاوى، في حين أن ذلك يكون صعبا لو كانت مُرقمنة ويتسلمها المعني بالأمر عن بعد عبر البريد الالكتروني أو الارساليات القصيرة..
ومن المفارقات الكبرى اليوم في تونس أن أغلب المواطنين، لا سيما فئة الشباب، أصبحت لهم إمكانية النفاذ إلى المجال الرقمي وإلى التكنولوجيات الحديثة في كل وقت وفي كل مكان عبر الهواتف المحمولة والحواسيب في العمل أو في المنزل. لكن في المقابل مازالت "دولتهم" تُصرّ على فرض التعامل معهم بالوثائق الورقية في مختلف مجالات الحياة. وهو ما يؤكد اليوم ضرورة الانتباه لهذا الأمر والتوجه أكثر نحو رقمنة مختلف المعاملات الإدارية والتجارية والخدماتية والمالية وغيرها وإرساء منظومة وطنية للترابط الرقمي المركزي بين المواطن ومختلف الإدارات. غير أن ذلك يتطلب التعبير عن إرادة سياسية واضحة تكون ملزمة للجميع ويمكن تنزيلها ضمن التوجه العام الذي أعلنه الرئيس قيس سعيد لمحاربة الفساد وتحسين ظروف عيش المواطن.
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك