مع الشروق : حين تنقلب الصورة على السردية
تاريخ النشر : 07:00 - 2025/09/11
الزخم الذي يطرحه «أسطول الحرية» المنطلق من تونس باتجاه غزّة، يرسم فصلا آخر من فصول تعرية الإجرام الصهيوني وكشفه وإحراجه أمام العالم والرأي العام الدولي، وإسقاط سردياته الموهومة التي لطالما تشدّق بها وسعى عبرها إلى تزييف وعي المجتمعات الغربية التي تنتفض عليه في أكبر العواصم بمئات الآلاف.
فموازين المعارك في غزّة تتغير منذ أكتوبر 2023 على أكثر من جبهة، لعل أكثرها إرباكا وإيلاما للكيان الغاصب هي تلك التي لا تقاس بعدد الصواريخ والطائرات بل بوقع الصورة والكلمة في الضمير الإنساني، وهو ما يجعله بعد عقود من التزييف والكذب في صناعة روايات رسمية وترويجها، أمام أزمة غير مسبوقة تتمثل في تآكل سردياته الاتصالية والديبلوماسية أمام الرأي العام الدولي.
لطالما اعتمد الكيان المحتل على خطاب تبريري لكل عدوان ويضعه تحت شعار زائف هو الدفاع الموهوم عن النفس، غير أن الصور القادمة من غزّة والمستشفيات المدمرة والأطفال الجياع والأحياء المحروقة واستباحة الدول كما فعلت مع قطر ومن قبلها إيران ولبنان وسوريا، كسرت هذا الخطاب وأفرغته من محتواه وأبرزت حقيقته ككيان مارق يدوس على كل المواثيق والقوانين الدولية، ولم يعد خطاب «مقاومة الإرهاب» يجد له آذانا صاغية في ظل انتشار مشاهد الإبادة الجماعية الموثقة بالصوت والصورة عبر الهواتف المحمولة التي تنقل الحقيقة عبر الشاشات بعد أن سيطر اللوبي الصهيوني لسنوات على الإعلام التقليدي الغربي.
فالاعتراف الأخير لنتنياهو بأن إسرائيل تدفع «ثمنا ديبلوماسيا وإعلاميا» لم يأت من فراغ، فقد شهدت العواصم الأوروبية والأمريكية واللاتينية مسيرات بملايين المحتجين ترفع شعارات واضحة منددة بجرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها نتنياهو وزمرته الفاشية في غزّة، فضلا عن تشكل مشهد إنساني جديد متمثل في قوافل المساعدات الإنسانية الدولية المتجهة إلى القطاع المنكوب رغم الحصار الصهيوني والجامعات الغربية التي تحولت إلى ساحات تضامن والنقابات المهنية الضاغطة على حكوماتها لمراجعة صفقات توريد الأسلحة في ديناميكية شعبية تحولت إلى عنصر ضغط مباشر على مراكز القرار السياسي في الغرب حيث لم يعد ممكنا تجاهل الرأي العام الغاضب.
وعلى المستوى السياسي، وجد الكيان المحتل نفسه في عزلة متنامية بعد أن قطعت دول في أمريكا اللاتينية علاقاتها معها أو استدعت سفراءها، فيما ترتفع الأصوات داخل البرلمانات الأوروبية لمراجعة التعاون العسكري معه، بل وبرزت انقسامات حتى صلب الولايات المتحدة الحليف الأكبر للصهاينة في وجود نواب يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار ومنظمات يهودية تعارض سياسات حكومة نتنياهو، في تحولات قد لا تعكس ضرورة انقلابا كاملا في السياسات الرسمية، لكنها تعكس بداية مسار تصدّع في جدار الدعم الأعمى الذي تتمتع به إسرائيل لعقود.
فمن الثابت أن المعركة الاتصالية قد باتت أكثر إيلاما للكيان، فقد تحولت صور الأطفال الجوعى إلى أيقونات عالمية للظلم، وتصدرت الصفحات الأولى لأكبر الصحف العالمية، ووثّقت شركات إعلامية وشبكات حقوقية كبرى الجرائم الصهيونية بالصوت والصورة وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ملايين التدوينات المنددة بما يشبه الطوفان الاتصالي الذي جعل إسرائيل عاجزة عن التحكم في سرديتها.
ولا شك أن الدروس المستخلصة من هذه المرحلة قد باتت بيّنة، فالوعي الشعبي العالمي ليس مجرد صدى إنساني بل تحول إلى أداة ضغط سياسي من العيار الثقيل، فحتى إذا ما ترددت الحكومات في اتخاذ مواقف حاسمة، فإن الشارع عبر الاحتجاجات والمقاطعة وحملات الضغط رسم مسارا موازيا يربك حسابات الصهاينة الذين يدفعون اليوم ثمن تجاهلهم المتواصل لهذه القوة وهم يواجهون الضمير العالمي، حيث لا مجال لانتصار محتلّ يواجه يوميا ملايين الأصوات الحرة المطالبة بوقف الإجرام الصهيوني في غزّة على شعب أعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته.
هاشم بوعزيز
الزخم الذي يطرحه «أسطول الحرية» المنطلق من تونس باتجاه غزّة، يرسم فصلا آخر من فصول تعرية الإجرام الصهيوني وكشفه وإحراجه أمام العالم والرأي العام الدولي، وإسقاط سردياته الموهومة التي لطالما تشدّق بها وسعى عبرها إلى تزييف وعي المجتمعات الغربية التي تنتفض عليه في أكبر العواصم بمئات الآلاف.
فموازين المعارك في غزّة تتغير منذ أكتوبر 2023 على أكثر من جبهة، لعل أكثرها إرباكا وإيلاما للكيان الغاصب هي تلك التي لا تقاس بعدد الصواريخ والطائرات بل بوقع الصورة والكلمة في الضمير الإنساني، وهو ما يجعله بعد عقود من التزييف والكذب في صناعة روايات رسمية وترويجها، أمام أزمة غير مسبوقة تتمثل في تآكل سردياته الاتصالية والديبلوماسية أمام الرأي العام الدولي.
لطالما اعتمد الكيان المحتل على خطاب تبريري لكل عدوان ويضعه تحت شعار زائف هو الدفاع الموهوم عن النفس، غير أن الصور القادمة من غزّة والمستشفيات المدمرة والأطفال الجياع والأحياء المحروقة واستباحة الدول كما فعلت مع قطر ومن قبلها إيران ولبنان وسوريا، كسرت هذا الخطاب وأفرغته من محتواه وأبرزت حقيقته ككيان مارق يدوس على كل المواثيق والقوانين الدولية، ولم يعد خطاب «مقاومة الإرهاب» يجد له آذانا صاغية في ظل انتشار مشاهد الإبادة الجماعية الموثقة بالصوت والصورة عبر الهواتف المحمولة التي تنقل الحقيقة عبر الشاشات بعد أن سيطر اللوبي الصهيوني لسنوات على الإعلام التقليدي الغربي.
فالاعتراف الأخير لنتنياهو بأن إسرائيل تدفع «ثمنا ديبلوماسيا وإعلاميا» لم يأت من فراغ، فقد شهدت العواصم الأوروبية والأمريكية واللاتينية مسيرات بملايين المحتجين ترفع شعارات واضحة منددة بجرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها نتنياهو وزمرته الفاشية في غزّة، فضلا عن تشكل مشهد إنساني جديد متمثل في قوافل المساعدات الإنسانية الدولية المتجهة إلى القطاع المنكوب رغم الحصار الصهيوني والجامعات الغربية التي تحولت إلى ساحات تضامن والنقابات المهنية الضاغطة على حكوماتها لمراجعة صفقات توريد الأسلحة في ديناميكية شعبية تحولت إلى عنصر ضغط مباشر على مراكز القرار السياسي في الغرب حيث لم يعد ممكنا تجاهل الرأي العام الغاضب.
وعلى المستوى السياسي، وجد الكيان المحتل نفسه في عزلة متنامية بعد أن قطعت دول في أمريكا اللاتينية علاقاتها معها أو استدعت سفراءها، فيما ترتفع الأصوات داخل البرلمانات الأوروبية لمراجعة التعاون العسكري معه، بل وبرزت انقسامات حتى صلب الولايات المتحدة الحليف الأكبر للصهاينة في وجود نواب يطالبون بوقف فوري لإطلاق النار ومنظمات يهودية تعارض سياسات حكومة نتنياهو، في تحولات قد لا تعكس ضرورة انقلابا كاملا في السياسات الرسمية، لكنها تعكس بداية مسار تصدّع في جدار الدعم الأعمى الذي تتمتع به إسرائيل لعقود.
فمن الثابت أن المعركة الاتصالية قد باتت أكثر إيلاما للكيان، فقد تحولت صور الأطفال الجوعى إلى أيقونات عالمية للظلم، وتصدرت الصفحات الأولى لأكبر الصحف العالمية، ووثّقت شركات إعلامية وشبكات حقوقية كبرى الجرائم الصهيونية بالصوت والصورة وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ملايين التدوينات المنددة بما يشبه الطوفان الاتصالي الذي جعل إسرائيل عاجزة عن التحكم في سرديتها.
ولا شك أن الدروس المستخلصة من هذه المرحلة قد باتت بيّنة، فالوعي الشعبي العالمي ليس مجرد صدى إنساني بل تحول إلى أداة ضغط سياسي من العيار الثقيل، فحتى إذا ما ترددت الحكومات في اتخاذ مواقف حاسمة، فإن الشارع عبر الاحتجاجات والمقاطعة وحملات الضغط رسم مسارا موازيا يربك حسابات الصهاينة الذين يدفعون اليوم ثمن تجاهلهم المتواصل لهذه القوة وهم يواجهون الضمير العالمي، حيث لا مجال لانتصار محتلّ يواجه يوميا ملايين الأصوات الحرة المطالبة بوقف الإجرام الصهيوني في غزّة على شعب أعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته.
هاشم بوعزيز
