مع الشروق : الاستثمار الوطني في الرياضة

مع الشروق : الاستثمار الوطني في الرياضة

تاريخ النشر : 07:00 - 2025/12/27

لا يمكن ان تمر نهائيات «الكان» في المغرب دون أن تثير انتباه المتابعين إلى ما أصبح يمثله الاستثمار في الرياضة بشكل عام و في مثل هذه التظاهرات الرياضية الإقليمية أو القارية أو الدولية بشكل خاص من ضرورة  لا تقل شأنا عن الاستثمار في بقية المجالات الاقتصادية التقليدية كالصناعة والسياحة والمبادلات التجارية.. والثابت أن دولة المغرب الشقيقة لم تكن الأولى التي اختارت تحقيق قيمة مضافة لصورتها في العالم عبر الاستثمار في الرياضة ولن تكون الاخيرة. فعديد الدول الأوروبية عريقة في هذا المجال وانضافت إليها في العشريات الأخيرة دول آسيوية وأفريقية وامريكية وعربية وضعت الاستثمار في الرياضة ضمن اولوياتها   الوطنية.
تواصل الرياضة في العالم الانتقال بقوة من مجرد نشاط ترفيهي او مجرد هواية لدى البعض إلى «صناعة» استثمارية وتنموية تفوق أحيانا القطاعات الاقتصادية التقليدية من حيث الايرادات المالية والمساهمة في الناتج المحلي وخلق مواطن الشغل وتنشيط مختلف المجالات الاقتصادية الاخرى فضلا عن دورها البارز على الصعيد الاجتماعي. وهو ما يمكن ملاحظته في عديد الدول سواء من خلال ما توليه من أهمية للقطاع الرياضي الداخلي (على مستوى البطولات والأنشطة الرياضية المحلية) أو من خلال احتضان التظاهرات الإقليمية والقارية والدولية.  حيث يقع ايلاء الرياضة اهمية كبرى تتجسد بالخصوص في الاستثمار في المنشآت والبنى التحتية الرياضية وفي الجوانب التنظيمية والتشريعية وفي بطولاتها المحلية في مختلف الرياضات .
تطورات عديدة أمكن ملاحظتها خلال العشريات الأخيرة  في عديد الدول.. وقد كانت تونس من بين الدول التي انتبهت بشكل مبكر منذ سنوات الاستقلال الاولى إلى الاستثمار في الرياضة من خلال إحداث منشآت رياضية بمواصفات دولية واولمبية وقارية في مقدمتها الحي الرياضي بالمنزه ثم في مختلف الولايات ثم تواصل الاستثمار في الرياضة خلال التسعينات والسنوات الموالية بإحداث قاعة رياضية مغطاة في كل ولاية وبناء المدينة الرياضية برادس. وهو ما اهل بلادنا لاحتضان الألعاب المتوسطية سنة 2001 وكأس إفريقيا للأمم في كرة القدم سنة 2004 ومونديال كرة اليد سنة 2005 وغيرها من التظاهرات الأخرى. وعلى الصعيد المحليّ أبدت تونس على مر السنين اهتماما كبيرا بالشأن الرياضي فتطورت مختلف الرياضات وذاع صيت الفرق التونسية والرياضيين التونسيين والمنتخبات الوطنية في عديد الاختصاصات.
اليوم لا بد من الإعتراف بأن قطاع الرياضة في تونس فقد في السنوات الاخيرة جانبا كبيرا من بريقه الذي تحقق سابقا.. إذ لم يعد بالامكان الحديث في بلادنا عن استثمار رياضي وطني  بالمعنى العصري للكلمة يكون قادرا على تحقيق قيمة مضافة من حيث التنمية الاقتصادية والايرادات  المالية والترويج لصورة البلاد سياحيا . فوضع قطاع الرياضة في تونس اليوم لا يسمح باحتضان تظاهرة رياضية دولية او قارية او اقليمية.  فالمنشآت الرياضية المنجزة سابقا تآكلت بشكل غريب ولم يقع تجديدها خاصة خلال العشرية التي تلت 2011 إلى درجة أن بعضها أغلق تماما ولم يعد صالحا للاستعمال  ، بل لم يقع تشييد منشأة رياضية وطنية جديدة  واحدة. والبطولات الوطنية أصبحت تشكو من الفوضى التنظيمية والجمعيات الرياضية باتت تعاني من الضعف واللخبطة ومن الصعوبات المالية دون الحديث عن شبهات الفساد وسوء التصرف التي تسود القطاع وغيرها من المظاهر الاخرى.
إن  ما تحققه اليوم دولة المغرب  من نجاح تنظيمي ل»الكان» وما حققته دولة قطر سابقا من نجاح مماثل بمناسبة الكأس العربية وكأس العالم  وما حققته دول عربية وافريقية أخرى من نجاحات في الإستثمار الرياضي لاحتضان التظاهرات الرياضية الكبرى سابقا او في قادم السنوات على غرار مصر والسعودية وجنوب افريقيا وغيرها يجب أن يكون دافعا لبلادنا للاقتداء بها وللحث على التعجيل ب»انقاذ» قطاع الرياضة في تونس وخلق الحلول المالية واللوجيستية لتحقيق ذلك. والمؤكد أن الفوائد من الاستثمار الوطني في القطاع الرياضي ستكون مضمونة ولو بعد سنوات.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك