مع الشروق.. أوروبــــا القُزحيّـــــة...

مع الشروق.. أوروبــــا القُزحيّـــــة...

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/11/27

على خلاف كلّ شعوب العالم، تعامل الأوروبيون مع تنظيم قطر لفعاليات كأس العالم بكثير من الاستعلاء و العنجهيّة و الغطرسة، في ما يتعلّق باحترام خصوصية ثقافة الدولة المستضيفة ورغبتهم في نشر فسادهم الأخلاقي وميوعتهم من خلال رفض قضية مجتمع الميم ومحاولة فرضها في هذه التظاهرة العالمية. 
ما أتاه المنتخب الألماني خلال التقاط الصورة الرسمية للمباراة وما عبر عنه كثير من قادة المنتخبات الأوروبية حول رغبتهم  بل إصرارهم على رفع شارة القيادة المعبرة عن المثليين و دفاع الاتحاد الألماني و مهاجمتهم للفيفا بسبب منعها ارتداء هذه الشارة، يثبت العقلية العنصرية التي تسيّر الغرب و تجعله راغبا في فرضه نمطه الثقافي دون احترام للشعوب الأخرى التي يرونها ما زالت قاصرة وتابعة وعليها بالتالي أن ترضخ للنمط الثقافي الأوروبي المتفسّخ و الذي يقع الدفاع عنه تحت ذلك الشعار "الدفاع عن حقوق الإنسان" وهو ذات الشعار الذي تم رفعه لتدمير شعوب و نهب ثرواتها و قتل الملايين من الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلاّ أنهم ليس من جنس "الرجل الأبيض" وذلك طوال تاريخ أوروبا الاستعماري و مازال الأمر مستمرا إلى الآن. 
ولكن إرادة الشعوب تفرض ما لا يريده الغرب عموما برأسيه الاوروبي و الأمريكي، وفعلا فقد تم منع ارتداء الشارة التي أغضبت أوروبا، وغاب "قوس قزح" عن سماء مونديال قطر و رضخ الأوروبيون للامر الواقع بل إنّ نتائجهم بدت على غير عادتها في مثل هذه التظاهرات العالمية، وهذا يثبت أنّ "الجنس الأبيض" ليس هو الأفضل أو الأرقى، بل إن شعوب العالم متى آمنت بقدراتها و وضعت أهدافا لها استطاعت أن تنجز المعجزات.  حكاية مجتمع "الميم" هذه التي تغضب الأوروبيين، ليست سوى حادثة تفصيلية طوتها النجاحات التنظيمية الباهرة، لقطر، و طوتها رغبة كبرى من شعوب الجنوب في الانتفاض على عقود من الرضوخ والذل. كما أن أوروبا التي تدعي التفوق و التميز عن بقية شعوب العالم بدت هذه المرة معزولة ضمن إطارها الثقافي المنغلق و ضمن فكرها الراغب في عولمة نمطه الثقافي  الاستعماري. ولكن إرادة الشعوب لا تقهر، فمهما وقع من هجمات إعلامية فإنّ القرار اتخذ و قوس قزح أوروبا يأفل في الصحراء العربية، و لا عزاء للنائحين على حقوق الإنسان المزيّفة. فشعوب الجنوب ستنهض بقدراتها اللامحدودة وبإرادتها في التحرر، وما على الأوروبيين عندما يأتون ضيوفا على ديار العرب إلاّ احترام خصوصياتهم الثقافية.
اوروبا القزحية، تتورط في معارك كثيرة لأنّ المنطق الذي يحكمها هو المنطق الاستعماري الاستعلائي، فجوزيف بوريل رئيس الدبلوماسية الأوروبية تحدث في تعقيب عن الأزمة الأوكرانية عما اسماه الحديقة الأوروبية  وعن الغابة التي تحيط بها في اشارة إلى الأمة السلافية التي تقودها روسيا و الإسلام الذي ينتشر على حدودها الجنوبية. ومثل هذا المنطق هو منطق صدام الحضارات الذي نظر له صموئيل هنتنغتون، منذ أكثر من عقدين و نتجت عنه حروب مدمّرة لشعوب الجنوب الذين لا تلتفت إليهم "حقوق الإنسان " في مجتمعات الميم. 
كمال بالهادي    
 

تعليقات الفيسبوك