مجموعة "نقوش في جسد من رخام " لمليكة العمراني 1\3: كاتبة مسكونة بالأمل

مجموعة "نقوش في جسد من رخام " لمليكة العمراني 1\3: كاتبة مسكونة بالأمل

تاريخ النشر : 13:02 - 2021/03/26

عن دار ميّارة للنّشر و التوزيع صدرت للكاتبة مليكة العمراني مجموعة قصصية حملت عنوان « نقوش في جسد من رخام » و ذلك في ثمان و مائة صفحة من الحجم المتوسط، متضمنة اثنتين و ثلاثين قصّة اتّسمت كلّها  بالاختزال و التّكثيف. حيث امتدّت أحداث أطول قصّة إلى خمس صفحات بينما لم تتعدّ فيها أكثر من قصّة الصفحة الواحدة، وهو اختيار فنّيّ لا يمكننا أبدا مناقشة الكاتبة فيه. 
ومليكة العمراني، هي قاصّة وناقدة حاصلة على الأستاذية في اللّغة والآداب العربية وتعمل بالتّنشيط الثّقافي. وهي من مؤسّسي ملتقى الشّعراء الطلبة بتونس، ونادي الأربعاء الأدبي بالنادي الثقافي الطّاهر الحدّاد. كما تُعتبر من الأعضاء القارين والنّاشطين في نادي القصّة بالوردية، وهي كذلك من أعضاء رابطة الكتاب الأحرار. 
أمّا في مجال النّشر فلها مجموعة شعرية حملت عنوان « شردني الطين  ذات تفاحة » إلى جانب نشرها للمئات من المقالات الأدبية في الصّحافة الوطنية و العربية، و مساهمات متنوّعة في العديد من البرامج الثقافية  الإذاعية منها و التّلفزية. كما حصلت على العديد من التّكريمات والجوائز الوطنية وتُرجمت بعض قصائدها إلى اللّغة الإنقليزية. 
و لأنّ أوّل ما يشدّنا إلى أيّ منتوج أدبي هو العنوان، أشير إلى اشتراك القصّة الرّابعة و العشرين في المجموعة مع نفس عنوان الكتاب،لذلك تجدني أتساءل: هل تمثّل أحداث هذه القصّة الّتي اقتصرت على صفحة واحدة الرّكيزة الجامعة  و الأساسية لكلّ أهداف النّصوص المنشورة في الكتاب؟ أم إنّ العنوان لوحده كان متمّمًا وملخّصا لغايات تجميع هذه النّصوص دون غيرها في مجموعة واحدة، ولذلك تم اختياره ليكون عنوانًا شاملًا؟ 
ومهما كان الجواب فإنّي أرى أنّ اختيار عنوان الكتاب أعطى قيمة إضافية للقصّة الرّابعة والعشرين رغم قصرها، سواء قصدت الكاتبة ذلك، أم حصل بمحض الصّدفة. ولهذا السّبب أجد نفسي مضطرًّا للتّوقّف عند هذه القصّة للبحث من خلالها عن بعض التّأويلات الممكنة لفهم بقية قصص المجموعة ولم لا التّعرّف على إحدى مقوّمات الكتابة الأدبية لدى مليكة العمراني خصوصًا و نحن أمام باكورة أعمالها القصصية رغم إدمانها على ارتياد جلسات نادي القصّة العريق بالوردية لأكثر من عشرية كاملة. بل أراها تقدم على نشر مجموعة شعرية «شردني الطين ذات تفاحة» رغم ولعها الظّاهر بكتابة القصّة. فهل يعود السّبب إلى تخطيط محكم، أم إنّ واقع النّشر هو الّذي كان حاسمًا وفرض هذا الاختيار؟ 
   و مواصلة في تلمّس و تعقّب بعض الإشارات التي تساعد على حسن استيعاب مدلولات القصص، أرى أنه من المفيد التّوقّف طويلًا عند إيحاءات الغلاف بما أنّه الواجهة الأولى و الأهمّ ربّما في دفع القارئ إلى الإقبال على المطالعة.  و كملاحظة أوّلية أرى أنّ اختيار قيمةالأبيض لخطّ اسم الكاتبة و عنوان المجموعة إضافةً إلى وضع عبارة  « قصص » كان له أكثر من معنى و تأويل، حيث شعرت من خلال هذا الاختيار  أنّه كان له الأثر الطّيّب في تحفيزي على التهام أحداث القصص واحدة تلو أخرى. 
و رغم الجمال الّذي جاء عليه الغلاف، أجد نفسي مضطرًّا إلى التوقف عن تفسير و تأويل اللّوحة المصاحبة و الألوان المستعملة. و يعود هذا الإحجام أساسًا إلى صمت الكتاب عن ذكر اسم صاحب اللّوحة الّتي شعرت أنّها كانت متناسقة و معبّرة بعمق عن مناخات الكتابة التي جاءت عليها القصص. فقد وقعت الإشارة إلى أنّ تصميم الغلاف وإخراجه الفنّيّ إضافةً إلى التّصفيف الدّاخلي لميّارة غرافيك بينما لم يقع ذكر اسم صاحب اللّوحة والحال أنّه الأهمّ و الأجدر بذكره. 
     أمّا الغلاف الأخير للمجموعة فقد اختارت مليكة العمراني أو النّاشر توشيحه بفقرة مأخوذة من القصّة الثّالثة التي حملت عنوان « البحث عن المعنى » و الّتي جاء فيها: ( كان عليّ أن أحصّن نفسي ضد الأزمات و أن أقفل شقوق بيتي جيّدا … إنّي  أخاف الرّيح الشّمالية، إنّلها قدرة رهيبة على التدمير القاسي… و كان لها  ما أرادت … المجهول يعود بكلّ ثقلِهِ و بكلّ عبثتيه و يحلّ في جسدي و يمتزج  بدمي…
    ثمّة أشياء غريبة تحدث في داخلي … ثمّة أشياء تتمزّق و لا أعرف كيف يحدث ذلك… أسمع صليل السّيوف و أحسّ بأطراف الشظايا تنغرس في لحمي و أشتمّ رائحة الحديد المحروق و أسمع صراخ الأطفال و عويل الأرامل و الثكالى…
    إنّها الحرب… لقد اندلعت ولن تنتهي، حتى يصير هذا الجسدُ رمادًا …)  ( ص: 17/ 18 )
وكمقبل على مطالعة هذه المجموعة شعرت أنّ ما جاء في هذه الفقرة التي جاءت في آخر الكتاب حرّكت في داخلي شوقًا متزايدًا لمتابعة الأحداث. فالكاتبة تطلب التّحصّن ضدّ الأزمات، ثمّ تُعلن عن خوفها من الرّيح الشّمالية. كما أعلمتنا عن أشياء غريبة تحدث داخلها وتمزّقها دون معرفة كيفية حدوثه والحال أنّها تسمع صراخ الأطفال و عويل الأرامل و الثّكالى. 
ونلاحظ من خلال كلّ ما تقدّم أنّ البوح الّذي جاء في هذه الفقرة يوضّح للقارئ زاوية النّظر الّتي ستنقل لنا من خلالها الكاتبة أحداث قصصها. حيث شعرت أنّ أنّات الألم الّتي غلّفت هذه الفقرة الأخيرة في الكتاب، ما كانت في حقيقة الأمر إلّا أنّات جيل أُجبر قسرًا على تلبّس وتملّك الإحباط بحكم فرض البطالة المهنية عليه إلى جانب تهميش دوره الحضاري. أو هذا ما سكنني بعد اطّلاعي على هذه الفقرة وقبل قراءة القصص.  لكن الثّابت أنّ الاختيار كان دقيقًا ومعبّرًا. 
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

ألقت الشرطة الكويتية الخميس 2 ماي 2024 القبض على المذيعة ومقدمة البرامج المشهورة حليمة بولند لتنف
22:11 - 2024/05/02
أعلن مدير المعهد الوطني للتراث طارق البكوش أن مشروع تهيئة المتحف الوطني بقرطاج مموّل من اللجنة ال
17:03 - 2024/05/02
أسدل الستار الليلة الماضية على فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن التي انتظمت من 27 أفر
15:45 - 2024/05/02
توفي صباح اليوم الخميس2 ماي 2024  بمدينة اكودة الممثل القدير والمناضل عبد الله الشاهد عن سن تناهز
11:26 - 2024/05/02
من المجهودات الكبيرة اللافتة في الإعلام العمومي لفت انتباهي المجهود الكبير الذي يقوم به الإعلامي
09:07 - 2024/05/02
لا شكّ بأنّ غياب مشروع ثقافيّ وطنيّ يعمل وفقا لاستراتيجيّات محدّدة في كلّ القطاعات الثّقافيّة له
08:29 - 2024/05/02
أمام تضاعف عدد الناشرين و الكتب في تونس تراجع عدد القراء بشكل ملفت و خطير مقابل استحواذ وسائل الت
07:00 - 2024/05/02