رواية "و لي خطوات في فلسطين" لنجاة البُكري (2-3): من سيرة الكاتبة إلى سيرة فلسطين

رواية "و لي خطوات في فلسطين" لنجاة البُكري (2-3): من سيرة الكاتبة إلى سيرة فلسطين

تاريخ النشر : 18:21 - 2021/02/06

نشرنا في عددنا ليوم امس الجمعة الجزء الأول من هذه الدراسة التي قدم فيها كاتبها يوسف عبد العاطي الكاتبة نجاة البكري وعلاقتها بنصها ونفى ان يكون سيرة ذاتية وتساءل ان حقق النص نوايا الكتابة وما سطرت له الكاتبة او أعلنت عنه في عتباته وهذا الجزء الثاني من هذه الدراسة.

و قبل التوقّف عند بعض الملاحظات حول نصّ الرواية، أشير إلى أنّ الكتاب تضمّن تصديرين، الأوّل للكاتبة سلوى الراشدي و الثّاني للأستاذ صالح مورو قدّما فيها رأيين حول هذه الرواية. كتبت سلوى الراشدي "...حاولت نجاة البُكري في هذه التّجربة تجاوز تسجيل الواقع إلى وقع الواقع، و ما يغفل عنه عادة التأريخ في التصاقه بالحدث، و التّاريخ في شموليّته، لذلك يبدو التّصوير بعين خارجيّة و أخرى تنفذ إلى الأعماق." ( ص: 13 ). أمّا الأستاذ صالح مورو فقد فنّد رأي الدّكتورة جليلة الطريطر و قال:" … أدب من صلب أدب الرّحلات منقوعٌ في سيرة ذاتيّة منقطعة النّظير لكاتبة لها قدرة فائقة على التّحقيق و التّدقيق للوقوف عند أبسط الجزئيّات لترى فيها ما لا تراه كل عين سطحيّة النّظر." ( ص: 14). و أرى أنّ مثل هذه الاختلافات في القراءات للعمل، إلى جانب عدم الاتفاق بينها على تبويب جنس الأسلوب الأدبي المُتّبع، كلّها عوامل إثارة للقارئ تدفعه إلى الاطلاع على الرواية، قصد اختيار الموقف الأنسب و الأقرب إلى الموضوعية، حسب طبيعة القارئ.

لذلك تجدني أترك جانبًا كلّ هذه الأحكام الأجناسية خاصّة، و أُقبل على مطالعة الرواية علّني أتوصّل إلى فكّ البعض من مقاصدها البلاغية. و نلاحظ من خلال كل ما تقدّم وفرة المفتّحات ( الغلاف/ الإهداء/ تقديمان / تصديران ) و التي كانت وظيفتها الأساسية إعطاء التبريرات الضرورية للقبول بأن النص الذي سنطالعه بعد ذلك، يدخل في باب السّيرة الذّاتية، أو هذا هو الانطباع الذي تملّكني. دون النكران بأن عنوان الرواية تحديدًا "و لي خطوات في فلسطين" جعلني أتابع أحداثها بشغف الباحث عن تفاصيل السيرة الذّاتية. بل أعترف أنني كنت أثناء القراءة أتصيّد تفاصيل فعل الخطوات التي كانت (للرّاوية/ الكاتبة) في النصّ.

فهل نجحت تفاصيل الأحداث في إقناعنا كقراء بأنّ الرواية كانت وفية لتقنيات كتابة السّيرة الذاتية؟ و بعيدًا عن هذا السّؤال النظري و الذي قد لا يفيد القارئ في شيء، أرى أنه من المفيد التوقّف عند الفقرة الأولى في الرواية و الفقرة الأخيرة منها، دون اعتبار القصيد، و محاولة البحث عن بعض خيوط الترابط و الدلالة في الفقرتين، علّنا نتوصّل من خلال تلك المقارنة، إلى التقاط البعض من مفاتيح أبواب التأويل لهذه الرواية. مشيرًا في هذا المجال إلى أن الاستنتاج الذي سنتوصّل إليه من خلال تلك المقارنة، لا يمكنه إلّا أن يكون احد التّأويلات مع التّسليم بأن العمل الأدبي يبقى مفتوحًا في جميع الحالات على تعدّد و تنوّع القراءات و التّأويلات. أعود الآن إلى الفقرة الأولى من الرواية و التي تشترك مع الفقرة الأخيرة، في وصفها لرحلة بالطّائرة، من و إلى فلسطين، أو من و إلى تونس. و بالعودة إلى نصّ الإهداء الذي ذكرته سابقًا ، سيلاحظ معي القارئ بأن الكاتبة و من خلالها الرّاوية اعترفت و أهدت عملها إلى المكانين، حيث قالت:" إلى تونس الوطن الحضن و الاستثناء" ثمّ استدركت بالقول:" إلى فلسطين و رسائل حمّلتنيها"، و هنا تجدني أتساءل عن مدى نجاح الكاتبة، و لا أقول الرّاوية، في القيام بهذه الرسالة على أحسن وجه.

تنطلق أحداث الرواية بلوحة حملت عنوان " من تونس إلى عمّان " و انطلق فيها السّرد كما يلي:"أقْلعت الطّائرة كثيرون هم من رافقونا و غادروا تونس نحو العاصمة الأردنيّة عمّان لتكون وجهتهم الأراضي الفلسطينيّة حيث سيكون الاستقرار فالذّهاب إليها يكون برّا و الوصول إليها يتمّ على مراحل رسمتْ ملامحها حدود بريّة أردنيّة تليها حدود دولة الاحتلال الإسرائيليّ و الّتي أجادت حبْك تفاصيل مدخلها بكلّ دقّة." ( ص : 15) و نلاحظ من خلال هذا الوصف لانطلاق الرّحلة بأنّ الرّاوية، و من خلالها الكاتبة، اختارت القطع مع الحيادية، و انزاحت مباشرةً إلى التّضامن العاطفي مع القضية الفلسطينية مع إطلاق نعت " دولة الاحتلال الاسرائيليّ " ، و هو اختيار لا ألوم عليه الكاتبة، بل أشعر أن هذا الاندفاع ساهم بقسط وفير في تحديد بعض ملامح الشّخصية الرّاوية. كما أشعر أن إفراد الكاتبة لعبارتي "أقْلعت الطّائرة." في سطر واحد، كان له أكثر من معنى، و جاء موحيا و مغريًا للقارئ بمتابعة الأحداث.

أمّا الفقرة الأخيرة في الرّواية، فقد شعرت أنّها جاءت معلنة عن هروب (الرّاوية/ الكاتبة) من متابعة سرد بقية التّفاصيل التي كانت ترهقها ربّما. فقد كنت أنتظر مثلًا تواصل الأحداث إلى ما يمكن أن يكون قد قدّمه هذا الشّباب النّاجح بامتياز في امتحان الباكالوريا إلى القضية الفلسطينية، حتّى يقطع ذلك مع تعاملنا العاطفي مع القضية. و أرى أن الرّواية كانت قابلة لاستيعاب هذا التوجّه. فبعد أن تحدّثت الرّاوية عن ترتيب احتفال مميز في تونس لابنتها بمناسبة نجاحها بتفوّق، معترفة بأن ذلك كان بمثابة ( فرصة لاستنشاق هواء هدنة)، نجدها تقول:" ...قبل أن نعود ثانيةً إلى نابلس بنفس الطريقة التي غادرنا بها لأنّ السّنة الدراسيّة المبكّرة أجبرتنا على العودة دون تردّد.

وجب على ابنتي الكبرى أن تسجّل في الجامعة و أن تستأنف ابنتي الصغرى دراستها الثانوية أيضا. إن الأوضاع التي كانت تعيشها المنطقة تفرض وتيرة نظام دراسيّ معيّن و جعلت المسؤولين في وزارة التّربية و التّعليم يحرصون على كسب الرّهان تجنّبا لتكرار تجربة جيل الانتفاضة الأولى إذْ وجبت الاستفادة من مساحات الهدنة حتى يواظب التلاميذ و الطلاب على دراستهم." ( ص: 221).

و يلاحظ معي القارئ، بعد الاطلاع خاصةً على هذه الفقرة، بأنّ الرّاوية خلصت إلى تبرير أهداف وزارة التّربية و التّعليم، دون أن نلمس ذلك في السّرد الرّوائي، بل شعرت كقارئ بأنّ ما ذكر كان تدخّلا من الكاتبة، و جاء في أسلوب خطابي شعرت أنّه يسيء للرّواية. بل شعرت بأنّ الكاتبة نجاة البُكري قامت باغتيال بقية الأحداث بوضعها لهذا الخطاب الذي شعرت أنّه لم يكن مبرّرا في السّرد.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

افتتحت اليوم الجمعة 17 ماي فعاليات الدورة 6 من مهرجان تريتونيس بدقاش من 16 إلى 19 ماي 2024 بتنظيم
18:52 - 2024/05/17
انطلقت صباح اليوم الجمعة  17 ماي 2024  بالمعلم الأثري القصبة بالكاف فعاليات مهرجان ميو في دورته 3
15:21 - 2024/05/17
يحتضن المسرح البلدي بالعاصمة مساء اليوم الجمعة 17 ماي 2024، عرضا فنيا موسيقيا تونسيا، يؤمنه نجم ا
11:46 - 2024/05/17
مدة 16 سنة دأبت دار الثقافة بمدينة مساكن على تخليد ذكرى المبدع المرحوم علي مصباح من خلال تنظيم مه
07:00 - 2024/05/17
لئن مازالت المفاوضات متواصلة بخصوص عروض الدورة 58 لمهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين، إلا أن الثاب
07:00 - 2024/05/17
نعت وزارة الشؤون الثقافية المطربة سلمى سعادة التي وافتها المنية اليوم الخميس 16 ماي 2024.
18:41 - 2024/05/16
تفتح وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية جميع المواقع الأثريّة والمعالم التاريخيّة والمتاحف المف
14:41 - 2024/05/16
يحتضن المركب الثقافي أسد بن الفرات بالقيروان أيّام 17، 18 و 19 ماي 2024 فعاليّات الملتقى الوطني ل
13:23 - 2024/05/16