مع الشروق.. حكومة المشيشي وضرورة القطع مع البيروقراطية

مع الشروق.. حكومة المشيشي وضرورة القطع مع البيروقراطية

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/09/18

بقطع النظر عن الملابسات الحقيقية لِما ذكره وزير التعليم العالي سابقا سليم خلبوس حول إلغاء مشروع إحداث "جامعة ألمانية" في تونس بسبب تعطيلات إدارية وتحويله إلى المغرب الأقصى، إلا أن ما تردد طيلة الأيام الماضية حول هذا الملف يجب ان يمثل ناقوس خطر حول معضلة "البيروقراطية" في تونس وما أصبحت تتسبب فيه من "تدمير" لنوايا الاصلاح والتقدم والتطور في شتى المجالات.
اليوم، لم تعد "آفة" البيروقراطية تقبل السكوت عنها، وآن الأوان لفضحها والكشف عمن يقف وراء استفحالها في مختلف مفاصل الدولة وفي مختلف المجالات خاصة في ظل حديث اغلب المختصين والخبراء عن مساهمتها وبنسبة كبيرة في ما آل إليه الوضع الاقتصادي والتنموي في البلاد من تدهور.. فقد اتضح طيلة السنوات الماضية أن عديد اللوبيات الاقتصادية والمالية وبعض القوى السياسية والمدنية والاجتماعية تُحكم قبضتها على الإدارة وعلى الديوانة وعلى بعض القطاعات ولا تترك المجال لأي نفس اصلاحي وذلك حماية لمصالحها الضيقة التي قد تتضرر من الإصلاح..
كم من قانون أو اجراء إصلاحي أو قرار سياسي بهدف القضاء على البيروقراطية ظل حبرا على ورق ولم ير النور على أرض الواقع.. وكم من مستثمر تونسي أو أجنبي، كبيرا أو صغيرا، وفي مختلف القطاعات، تذمّر من التعقيدات الإدارية على مستوى الديوانية أو البنك المركزي أو وزارة المالية أو بقية الوزارات عند الرغبة في بعث مشروع.. وكم من مُنتج تونسي اصطدم بالمعضلة نفسها عندما ينوي تصدير منتوجه شأنه شأن التاجر أو المُصنّع عندما ينوي التوريد.. وكم من موهبة شابة تُحبط عزائمها عندما تهتدي إلى اختراع أو ابتكار في مجال ما ولا تجد التسهيلات اللازمة والتمويلات الضرورية لبعث مشروع في الغرض.. وكم من تونسي مقيم بالخارج ذاق ذرعا بالأبواب الموصدة كلما توجه إلى الإدارة لقضاء شأن ما أو لبعث مشروع..
لن تنجح حكومة هشام المشيشي في تحقيق الإصلاحات التي وعدت بها ما لم تهتدِ إلى حلّ جذري لمعضلة البيروقراطية والتقاليد الإدارية البالية التي تخلّت عنها أغلب دول العالم بعد أن اقتنع مسؤولوها بأنها أحد أسباب تدمير الاقتصاد والمجتمع وأيضا أحد أسباب استشراء الفساد والرشوة في الإدارة. فالإصلاحات المنتظرة اليوم في تونس هدفها الوحيد تحريك عجلة الاقتصاد من خلال مشاريع استثمارية جديدة تونسية وأجنبية، كبرى وصغرى ومتوسطة، ومن خلال إدراج أفكار وتقاليد مالية وتجارية وسياحية وفلاحية وتنموية حديثة قائمة على التكنولوجيات والرقمنة والانفتاح على العالم وعلى إلغاء أقصى ما يمكن من قيود إدارية وديوانية وذلك اقتداء بأغلب دول العالم.
وسيكون القضاء على البيروقراطية وعلى كل أشكال التعطيلات الإدارية صعب المنال في تونس ما لم تتحل الحكومة الجديدة بالجرأة والشجاعة والإرادة السياسية لفرض الإصلاحات ومعاقبة كل من يعرقل أي نفس إصلاحي في هذا الاتجاه. وأصبح الوضع يقتضي اليوم اكثر من أي وقت مضى التسريع بإحداث لجنة وطنية لإحصاء كل أشكال التعطيلات الإدارية والديوانية المعطلة للاستثمار والتنمية ومراجعة النصوص القانونية والاجرائية المتسببة في ذلك...
فاضل الطياشي  
 

تعليقات الفيسبوك