مع الشروق .. التُونسي مُتعطّش إلى كشف الحقائق المخفيّة

مع الشروق .. التُونسي مُتعطّش إلى كشف الحقائق المخفيّة

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/03/29

بعد جلسة للتصريح بالأحكام في قضية اغتيال الشهيد شكري بلعيد، يمكن القول أن حالة من الارتياح سادت لدى الرأي العام بعد الكشف عن جانب من حقيقة ما حصل في هذه الحادثة التي ظل يكتنفها الغموض على أكثر من امتداد 11 عاما.. وبالتوازي مع ذلك، كشفت جلسة التصريح بالأحكام مدى تعطّش التونسيين لمعرفة الحقيقة وتشبثهم بها مهما طال انتظارها، ونبذهم في المقابل لكل أشكال التستر عنها وطمسها ومحاولات البعض المغالطة والتمويه، لا سيما بالنسبة للقضايا والملفات المتعلقة بالشأن العام وذات الصبغة الوطنية الكبرى التي يكتنفها الغموض..  
وعلى مرّ السنين، عانى التونسيون من إخفاء عديد الحقائق المتعلقة أساسا بالشأن العام وبكواليس السلطة وخفايا إدارة الحكم وأيضا بتجاوزات وانحرافات كبار المسؤولين والمقربين منهم وأيضا بالاغتيالات السياسية وغيرها من "جرائم الدولة" المرتكبة في حق المجموعة الوطنية والمصلحة العامة. وقد تفاقمت ظاهرة "طمس الحقيقة" منذ 2011 بالتزامن مع ارتفاع منسوب التقلبات السياسية التي مرت بها البلاد ومع تزايد حجم الوقائع والأحداث المثيرة ذات العلاقة بالشأن العام وما رافقها من صراعات سياسية وتكالب على السلطة وسعي البعض لحماية مصالح ضيقة..
منذ 2011 إلى اليوم، مازال التونسيون متعطّشين لحقيقة ما حصل بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 من احداث دموية ولخفايا مغادرة الرئيس السابق زين العابدين بن علي ويتطلعون الى الكشف عنها بشكل رسمي.. ومازال التونسيون مُتعطشين أيضا الى حقيقة ما حصل خلال السنوات الموالية ل2011 من تقلبات سياسية وما تخللها من أحداث ارهابية واغتيالات سياسية وعمليات تسفير الشباب التونسي نحو بؤر التوتر..  وظلوا كذلك ينتظرون إزاحة الستار عن حقيقة ما شهدته البلاد خلال تلك السنوات من توافقات سياسية ومناورات مشبوهة ومخططات وعمليات "بيع وشراء" داخل مؤسسات الدولة، وما شهدته البلاد من تداول للمال السياسي ومن فساد كبير طال اغلب المجالات ومازالت مخلفاته الى اليوم ومن تدخل أجنبي في شؤون البلاد..
ومع تقدم السنوات، ازدادت حاجة التونسيين لكشف حقيقة ما حصل ويحصل من تقلبات تهم الشأن العام.. فبكشف الحقيقة يمكن في المستقبل تجنب تكرار ما حصل من تجاوز او إخلالات وإعادة البناء على أسس صحيحة، فضلا عن تحميل المسؤوليات القانونية المترتبة حتى لا يفلت أي كان من العقاب وكذلك حماية الحق في المعلومة وحق الأجيال القادمة في معرفة تاريخ وطنها فضلا عما يمكن أن يحققه كشف الحقائق من استقرار وهدوء اجتماعي بما أن معرفة الحقيقة يمكن ان يشفي غليل البعض. وهو ما على جميع الأطراف الفاعلة أن تكون على أتم الوعي به حتى يعمل كل من جانبه على كشف الحقيقة وعلى عدم السقوط في المغالطة والتمويه والكذب خدمة لمصالح ضيقة.
وإلى جانب الشهود على العصر والمسؤولين السابقين والمؤرخين، يبدو دور القضاء اليوم مهما في التعجيل بالكشف - بشكل رسمي - عن الحقائق التي ظلت طيلة الأعوام الماضية مخفية وظل التونسيون متعطشين لمعرفتها.  وما حصل في اليومين الأخيرين بالنسبة لقضية الاغتيال السياسي الأكبر في البلاد - قضية الشهيد شكري بلعيد – يمكن أن يمثل اليوم خطوة أولى مهمة في مسار الكشف عن حقائق سنوات ما بعد 2011 في انتظار الكشف عن ملابسات أخرى لهذه القضية وفي انتظار الكشف أيضا عن حقيقة الاغتيالات السياسية الأخرى وعن حقيقة القضايا "الثقيلة" والاحداث المثيرة التي حصلت على امتداد أكثر من 10 سنوات.. على ان ذلك لا يجب ان يكون فرصة للتشفي وتصفية الحسابات او لبثّ الفوضى داخل المجتمع، بل في إطار من المصالحة والاعتراف وتطبيق القانون والأهم هو الاستفادة من الدروس المستخلصة من تلك الحقائق للمستقبل..
فاضل الطياشي     
 

تعليقات الفيسبوك