مع الشروق.. الأحزاب... ورفع الحَرجِ عن المشيشي

مع الشروق.. الأحزاب... ورفع الحَرجِ عن المشيشي

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/08/07

منذ 2011، تداولت كل الأحزاب الكبرى تقريبا على الحكم وكان أداؤها عموما فاشلا بسبب انشغالها بتصفية الحسابات السياسية والصراعات وبالرغبة الجامحة في نيل نصيبها من السلطة بدل الاهتمام بالإصلاحات التي تحتاجها البلاد وبالمشاغل الحقيقية للمواطن. وقد أدى تواصل فشل الأحزاب مع الحكومة الحالية – المستقيلة-  إلى فقدان المواطن الأمل في امكانية نجاحها مستقبلا وفي امكانية تطوير أدائها وفي تركيز اهتمامها على الشأن العام والمصلحة الوطنية. فهي مازالت إلى اليوم مصرّة على انتاج الازمة تلو الازمة وعلى صناعة العراقيل التي تحول دون التقدم والاصلاح، ولولا جهود الإدارة والقطاع الخاص لكانت الأوضاع في البلاد أسوأ بكثير مما هي عليه.
اليوم يتطلع التونسيون إلى مرحلة أفضل مع حكومة جديدة بعدما خلّفته الحكومات السابقة، خاصة الحكومتين الأخيرتين، من وضع صعب في البلاد على جميع المستويات، اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا وماليا. وقد كانت الأحزاب والطبقة السياسية – بشهادة كل التونسيين – مساهما رئيسيا في ذلك على مدى سنوات بعد أن انشغلت بالصراعات وبتصفية الحسابات ولم تحصل من ورائها أية فائدة تُذكر للبلاد.
وطيلة السنوات الماضية لم يشغل أي حزب أو مجموعة سياسية الرأي العام بمشروع اصلاحي للبلاد أو بفكرة مشروع تنموي يُشغّل العاطلين، ولم ينجح أي "زعيم" سياسي في ان يشد إليه الأنظار بفضل أفكاره ورُؤاه الإصلاحية. وتبعا لذلك لم يحتفظ المواطن سوى بصورة غير مطمئنة عن السياسيين سمتها الأبرز "شطحات" فولكلورية في البرلمان أو عبر المنابر الاعلامية وخطابات سياسية متدنية. وهو ما جعله يفقد كل أمل في مدى قدرتهم على الاصلاح وعلى قيادة البلاد في المرحلة القادمة.
وبالنظر إلى كل ذلك أصبح التونسيون يأملون في أن تكون الاحزاب هذه المرة بمناسبة تشكيل الحكومة الجديدة في مستوى المسؤولية الوطنية وأن تنخرط في "هدنة" سياسية تبتعد بمقتضاها عن السلطة وتعبر صراحة عن تعليق رغبتها في المشاركة في الحكومة بصفة وقتية  فترفع بذلك الحرج عن هشام المشيشي وتترك له الحرية والاستقلالية التامة لتشكيل حكومته بعيدا عن كل أشكال الضغوطات والمساومات. وهو ما سيجعل خياراته حتما رصينة وغير مرتبكة وتتجه نحو الكفاءات المستقلة القادرة على إخراج البلاد من وضعها الصعب وعلى إيقاف كل أشكال الصراع من أجل كراسي السلطة.
ولا تعني هذه "الهدنة" انسحاب الأحزاب تماما من الشأن العام ومن المشاركة في الحكومة. فعدم المشاركة لا يجب أن يؤول بعد ذلك إلى ردة فعل تحت قبة البرلمان يوم جلسة منح الثقة لإسقاط الحكومة. وعدم المشاركة لا يعني منح الثقة للحكومة ثم العمل في ما بعد على عرقلتها من خلال تعطيلها تمرير القوانين تحت قبة البرلمان. وبإمكان الأحزاب بعد ذلك أن تجد الوقت الكافي لمراجعة حساباتها وللقيام بالإصلاحات الضرورية داخلها وتطوير ادائها واعداد برامج ومشاريع اصلاحية حقيقية للبلاد والعمل على تحسين علاقاتها ببقية الأطراف والمساعدة أيضا على القيام بالإصلاحات السياسية الضرورية لتخليص البلاد من النظام السياسي الحالي الذي أنهكها. وكل ذلك سيمكّنها من الاستعداد الجيد للاستحقاقات الانتخابية القادمة سنة 2024 وعندئذ ستكون الغلبة للأجدر بالحكم بعد أن تكون البلاد قد تجاوزت محنتها..
فاضل الطياشي
 

تعليقات الفيسبوك