مع الشروق.. الجريمة... نار ستحرق الجميع

مع الشروق.. الجريمة... نار ستحرق الجميع

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/09/30

لا حديث في الشارع التونسي هذه الأيام إلا عن الصعود الصاروخي لمعدلات الجريمة... وهو صعود ملحوظ من الناحيتين العددية والنوعية. حيث لا يكاد يمر يوم دون أن يصدم التونسيون بجريمة فظيعة تهز الرأي العام هزّا. علاوة على استشراء وتائر جرائم «البراكاجات» والنشل والاعتداءات اللفظية والبدنية إضافة إلى الاغتصاب وتعاطي المخدرات وغيرها من الآفات التي تنخر المجتمع التونسي...
لنقل منذ البداية إن ظاهرة الجريمة ليست ظاهرة معزولة ولا ظرفية. بل هي نتاج طبيعي للجهل والفقر والبؤس والتهميش وارتفاع معدلات البطالة وانسداد الأفق أمام الشباب.. إضافة إلى ارتفاع منسوب اليأس والإحباط الذي بات يملأ صدور كل التونسيين والتونسيات تقريبا ويعشش في عقولهم وهم يرون كل شيء من حولهم ينهار ويتقهقر ويرون أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية تسوء وتزداد سوءا...
إزاء هذه اللوحة القاتمة وهذا الوضع البائس الذي يجثم على الجميع منذ عشر سنوات وهو وضع زاده سوءا تسرب أكثر من 100 ألف تلميذ سنويا من المدارس والمعاهد، إزاء كل هذا لم يجد الشباب أمامه غير الانخراط في الانحراف وفي تعاطي المخدرات وفي البحث عن سبل لـ«الحرقة» وركوب البحر في مغامرة غير محسوبة العواقب يبرّرها شعور باليأس ويقين بأن أمل الحرقة يستحق المغامرة طالما أن الموت واحد إما بالبطالة والحرمان وإما بالغرق في البحر...
ومع كل هذا، ومع كل الأمراض الاجتماعية التي ظهرت وتكدّست وتراكمت في البلاد في السنوات الأخيرة بالخصوص فإن الدولة وأجهزتها برزت بغيابها وبصمتها المطبق. كما طبع أداؤها بالعجز الكامل وهي تنظر إلى مختلف هذه الظواهر وهي تنخر المجتمع وتسري بين الشرائح الشبابية التي يفترض أنها قوّة الفعل وقوة تغيير الواقع وقوة بناء الغد المشرق والمستقبل الزاهر... فإذا بها تتحول إلى معاول هدم وسواعد تنشر البطش والتوحش والجريمة ومعها المزيد من الإحباط ومن مشاعر الخوف وانعدام الأمن والأمان بين الناس...
عشر سنوات والسياسيون يتفرّجون بل ويتسلون بمعاركهم العبثية وبتجاذباتهم التي لا تنتهي وبصراعاتهم المحمومة من أجل الكراسي والمناصب والمنافع والمكاسب... عشر سنوات وهيبة الدولة تنهار وتداس وقبضة القانون ترتخي لنصل شيئا فشيئا إلى هذا المربع الخطير... مربّع غياب الأمن الفردي والجماعي... ومربع انتشار الجريمة وعربدة المارقين عن القانون والمستهترين بأمن العباد وبممتلكاتهم...
قد يتحجّج البعض بمقتضيات الدستور وبضوابط النظام السياسي وما فرضه من تشتيت للسلطات... وقد يتعلل البعض بنتائج الانتخابات وبعدم حصول أي طرف على الشرعية الكافية لممارسة الحكم وتنفيذ البرامج.. لكن كل هذا الكلام مردود عليهم لأن هيبة الدولة وعلوية القانون يفترض أن تبقى فوق الأحزاب وفوق التجاذبات والمناكفات. ولأن أمن المجتمع واستقراره يفترض أن يحظى بأولوية الأولويات وبأن يتحول إلى بوصلة يهتدي بها الجميع وإلى غاية ينخرط فيها الجميع. ولأن تصريف شؤون الشعب بالشكل المطلوب لتحسين ظروف الناس ونشر بواعث الأمل فيهم هي من أبجديات الحوكمة الرشيدة التي يتبارى الجميع في إعلان تمكنهم منها...
ولينظر الساسة حولهم، وليدققوا في مشهد الحريق وهو يقترب من حوانيتهم. وقد تكدس في المجتمع من الغضب واليأس والاحتقان ما يكفي وزيادة من «الحطب والوقود» لإشعال الحريق الكبير الذي لن يبقي ولن يذر... ما لم ينظر السياسيون إلى أنفسهم في المرآة وما لم يتقوا الله في هذا الشعب الصابر وفي هذا الوطن الذي يضيع.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك