مع الشروق ..مَن بيته من زجاج لا يقذف تونس بحجر

مع الشروق ..مَن بيته من زجاج لا يقذف تونس بحجر

تاريخ النشر : 07:00 - 2024/05/16

فرنسا تعبّر عن قلقها من تضييق تونس على حرية التّعبير،  وتحتج على الإيقافات الأخيرة !!! . عنوان مهمّ و لافت ومثير للانتباه لمن يجهل تاريخ فرنسا  المصادرة  للرأي والقامعة للأصوات. 
خلف هذه الواجهة الحقوقية المضيئة ،التي تلوّح بها بين الحين والآخر، في مواقفها الرسمية، ووسائل إعلامها، تظهر وكأنها راعية   الحقوق والحرّيات في العالم ، وهي من هرولت منذ اندلعت حرب غزّة في السّابع من أكتوبر  إلى قمع الأصوات وإغلاق جدران الفايسبوك وتسييج شبكات التواصل الاجتماعي بقانون صارم  يمنع أي تدوينة أو رأي مناهض للموقف الفرنسي، أو يدعم المقاومة في دفاعها عن أرضها وقضيّتها العادلة ، أو يحتجّ على جرائم الكيان العدو  .
ليس بعيدا عن القضية الفلسطينية ، نذكر أيضا  كيف هاج الإليزيه وماج على إثر مقتل المراهق الجزائري برصاصة  فرنسية في الصدر  اهتزّ لها  الشّارع الفرنسي احتجاجا على العنصرية القاتلة ، لكن كان الردّ الرسمي  و  الحاسم باعتقال حوالي تسع مائة مراهق وطفل  دفعة واحدة ،وكانت  حجة  النظام الفرنسي في ذلك الحين " تطبيق جميع الخيارات الممكنة لاستعادة النّظام بالبلاد " وكان نظام الدولة أن تفتح فرنسا أبواب السجن للأطفال !
لم تتوقّف اعتداءات فرنسا على   حرية الرأي عند ذلك الحدّ، بل نذكر أيضا اعتقالها منذ خمس سنوات تقريبا للفكاهي السّاخر ديودونيه المعروف بموقفه المعادي لليهود والسّامية، وعلى خلفية دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني أدّبت فرنسا"  ابنها العاق"  فكان السّجن  فرصة اذن  لتُمسكه من لسانه وتمنع  سخريته اللاّذعة .
نذكر في هذا المجال أيضا  قمع السّلطة لصوت  الشّارع و أصحاب السُترات الصفراء ، وتدخّلها بقوّة القانون والبوليس  لإخماد غضب أكثر من ثلاث مائة ألف متظاهر  أجّجوا الشّارع  احتجاجا على غلاء الوقود  وظلت أبواب السّجن أيضا على مصراعيها للمنفلتين عن نظام الدولة.
طبعا الأمثلة كثيرة ، ولا داعي للنّبش أكثر في الوجه المخفيّ لفرنسا المحتجّة على الحرّيات المُهدّدة في تونس !!، وكان من الأفضل ألاّ ترمي تونس بحجَر وهي الأكثر توحّشا في إحكام قبضة الحديد على كلّ رأي لا يتناغم مع مصالحها وسياساتها وأمنها القوميّ.
 وهي اليوم بوضع أنفها في شأن تونسّيّ  لا يعنيها تُلفت الانتباه إلى نواياها غير البريئة  وتُسقط الأقنعة عن أبواق مزروعة بيننا من "  أبنائنا "التونسيين ، وتبيح لنفسها الإفتاء  في أمر داخليّ ، لتنصّب أمام العالم محاكمة أخلاقية تخرج فيها تونس العدوّ اللدود لحرية التعبير.
نحن لا نشرّع هنا لفتح أبواب السجن ، ولا ننظر للتعاطي الأمني المتعسّف لكل منتقد أو معارض أو محتجّ ،لكن ندين بشدّة الاستقواء بالدول الأجنبية والاحتماء بها  وتقديم تونس على أنها سيئة السمعة ظالمة لأبنائها  مستبدّة برأيهم قامعة لآرائهم .
إنّ التّشهير والتشويه الكاذب  ولعب دور الضحية يدخل في إطار التضليل وتزييف الحقائق، ومن حق الدولة أن تفرض على الجميع احترام هيبة الوطن وسيادته حتى لا تنفلت المسائل وتتحوّل حرية الرأي إلى تصفية حسابات ،ويصبح هذا الوطن بطحاء للمنفلتين والمؤججين   والمنظّرين للتطاول عليها .
ولئن تغافل القانون في يوم ما  عن قبول نعت تونس "بزبلة في بوبالة " ، فمن دور هذا القانون اليوم أن يحفظ تونس من التقزيم والتشويه والابتذال ، لأن حرية الإعلام ما لم تكن مسؤولة وراشدة وواعية تحوّل البلاد إلى غابة ، و التونسي إلى ذئب لأخيه الإنسان كما قال هوبز.
إن المعارضة ليست عنتريات واستعراضا واستكبارا على الوطن و حالة من الفلتان، بل هي نقد بنّاء الغاية منه التصحيح والتصويب، وما خالف ذلك يدخل تحت طائلة المساس من هيبة الشعب والوطن ،وطبعا لا وجود لعاقل يرضى بجعل وطنه في المزاد لمن يتربّص به ويكيد له ويجرّه إلى ما لا يحمد عقباه.
 وحيدة المي

تعليقات الفيسبوك