مع الشروق .. الحرائق .. والحقائق المُغيّبة ..

مع الشروق .. الحرائق .. والحقائق المُغيّبة ..

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/05/29

لا يقبل التونسيون الاكتفاء بخبر إيقاف شخصين للاشتباه في تورّطهما في حادثة حرق قاطرة الفسفاط التي جدت مؤخرا بقفصة. بل يطالبون بكشف الحقيقة كاملة حول دوافع الحادثة ومن يقف وراء المتّهمين.
وعلى امتداد السنوات الماضية، عاش التونسيون على وقع حوادث حرق مماثلة خاصة تلك الحرائق الكارثية التي أتت الصائفة الماضية على "صابة" الحبوب قبل أشهر قليلة من الانتخابات وقبلها تلك التي فتكت في صائفة 2018 بآلاف الهكتارات من غابات الشمال الغربي وسط أجواء سياسية مشحونة وأخرى استهدفت أسواقا ومؤسسات تربوية. وهو ما تكرّر خلال الفترة الأخيرة في مصنع بمنطقة النفيضة وفي سوق "الحفصية" بالعاصمة وفي غابات بالوطن القبلي وبجهة برج السدرية، إلى جانب حرائق أخرى لا تقل خطورة. ووقعت السيطرة على بعضها بأقل ما يمكن من خسائر.
هذه الحرائق تدفع في كل مرة إلى التساؤل عن أسبابها خاصة في ظل تكرّرها بطريقة مريبة وغامضة وفي ظل تداول أخبار عن وقوف أطراف معينة وراءها إما لغايات سياسية أو غيرها غير أن مختلف التحقيقات التي فُتحت إلى حد الآن حولها لم تكشف للتونسيين الحقيقة كاملة حول دوافعها وخاصة حول الأطراف التي تقف وراءها وإن كانت فعلا دوافع سياسية بهدف إرباك الوضع العام في البلاد وتصفية الحسابات وخدمة المصالح الحزبية والسياسية الضيقة  ؟
ورغم أن فرضية اندلاع الحرائق بصفة تلقائية تبقى واردة، إلا أن عديد المؤشرات تقول إن حوادث الحرق المتعمدة قد تتواصل في الفترة القادمة ما لم يقع الانتباه وأخذ الاحتياطات اللازمة. فالوضع العام في البلاد تُخيم عليه حالة من الشكوك المحفوفة بالمخاوف وبالشعور بالخطر المُحدق في كل وقت. والساحة السياسية تعيش هذه الأيام تقلّبات غير مسبوقة يمكن معاينتها من خلال ما بلغه الخطاب السياسي من تدنّ وما تبديه الأطراف السياسية الفاعلة من رغبة في التشبث بكراسي السلطة كلفها ذلك ما كلفها ومن لهث محموم وراء خدمة المصالح الحزبية والشخصية والسياسية والإطاحة بالخصوم بكل الطرق الممكنة وتصفية الحسابات عبر الاضرار بالممتلكات وبالارواح.
ويخشى الرأي العام في تونس أن يؤدي هذا التساهل في التعامل مع ملف الحرائق وعدم الكشف عن المتورطين فيه وعن دوافعهم الحقيقية إلى تمادي البعض في إتيان أعمال مشابهة وللغايات نفسها، قد تصل الى حد العنف او الاغتيالات السياسية أو الاضرار بالمرافق العمومية أو تعطيل الإنتاج في القطاعات الحساسة أو المس  بالمصالح الحيوية في البلاد مستغلين في ذلك هشاشة الوضع وضعف الدولة وفقدان القانون هيبته وقوّته ومعوّلين أيضا على "تغول" بعض الأطراف السياسية التي قد توفر غطاء للمتورطين في هذه الجرائم وتساعدهم على الإفلات من العقاب..
لذلك لا يقبل التونسيون بتواصل الغموض حول حوادث الحرائق وحول غيرها من الأحداث المريبة التي تجدّ بين الحين والآخر وتربك الوضع العام، لأن كشف الحقيقة ومعاقبة المتورطين ومن يقف وراءهم سيسمح بمزيد التوقي منها وبردع كل من يُخطط لإتيان أفعال مشابهة.
فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك