مع الشروق...تسييـــــس الفيـــــــروس

مع الشروق...تسييـــــس الفيـــــــروس

تاريخ النشر : 08:05 - 2020/04/17

بعد الإنذار، التنفيذ.
الرئيس الأمريكي دونالد ترومب ليس ممن تهمهم  الشكليات أو ممن يعنيهم احترام الأساليب. يوم الجمعة الماضي أعلن انه بصدد درس إمكانية تعليق مساهمة بلاده المالية في ميزانية تسيير منظمة الصحة العالمية، ويوم الثلاثاء  أصدر التعليمات بإقاف المساهمة. ما ان قيل حتى عُمل.
الكل يعلم ان دونالد ترومب لا يحب المنظمات الدولية، وقد برهن عن ذلك في اكثر من مرة، حين جمّد مساهمة بلاده في منظمة اليونسكو التي اتهمها وقتئذ بالانحياز ضد إسرائيل، وحين انسحب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي رماها بنفس التهمة، وحين انسلخ عن اتفاقية باريس حول المناخ معلنا عدم اقتناعه بوجود علاقة بين التلويث الصناعي والتغيّر المناخي...
ولكن ما هي الدواعي التي دفعت بالرئيس ترومب الى تعليق  هذه المرة المساهمة الأمريكية في منظمة الصحة العالمية في هذه فترة من اشدّ الفترات حساسية  تجد فيها الإنسانية نفسها في أمسّ الحاجة الى هذه المؤسسة الدولية؟ 
الرئيس الأمريكي يعيب، بكل بساطة، على هذه المنظمة، وتحديدا على رئيسها الإثيوبي جيريزيوس، انحيازا «مفضوحا» لصالح الصين. وهو ما ادى الى انتشار وباء كورونا حسب زعمه. ترومب يتهم رئيس المنظمة الصحية صراحة بحجبه المعلومات عن مخاطر الفيروس وعن سرعة انتشاره عند بداية ظهوره  في مدينة يوهان الصينية، وبتغافله عن التنبيه الى ضرورة وقف السفر من والى الصين، متسببا بذلك في نقل الفيروس الى الولايات المتحدة وانتشاره فيها.
قد يكون في اتهامات الرئيس الأمريكي بعضا من الحقيقة. لكنها ليست قطعا كل الحيقيقة.
الحقيقة ان الرئيس الأمريكي الذي يعيب عليه شعبه طريقة ادارته لأزمة  كورونا وتقديمه للمصلحة الاقتصادية على المصلحة الصحية، بحث عمّا يمكّنه من تحويل انتباه الرأي العام الأمريكي فوجد في المنظمة العالمية للصحة كبش الفداء المناسب، سيما وان تحميلها مسؤلية انتشار فيروس كورونا على التراب الأمريكي يجد مقبولية لدى المواطن الأمريكي في ظل صراع الزعامة المتنامي بين امريكا والصين. الرئيس ترومب لا يمكنه لحظة واحدة ان يغفل عن الانتخابات الرئاسية لشهر نوفمبر المقبل، وكل شيء مسموح للفوز بولاية ثانية.
لكن منظمة الصحة العالم لم تكن في حاجة لمثل هذا القرار من الرئيس الأمريكي والذي يكلفها عجزا بـ 500 مليون دولار، وهو حجم مساهمة الولايات المتحدة التي تُعدّ المساهمة الاهم بالنسبة للمنظمة. وما يزيد من الأثر السلبي الخطير لهذا القرار انه لا يحرم منظمة في أهمية منظمة الصحة العالمية من دعم مادي ضروري لآداء دورها الإنساني العالمي في لحظة تاريخية مفصلية وحسب، وإنما هو  يعيد كذلك تاجيج نار حرب ايديولوجية ظنّ العالم  انها خمدت مع نهاية الحرب الباردة.
لقد وحّد فيروس كورونا العالم ولم يفرّق بين شماله وجنوبه، ولا بين غنيه وفقيره. وجعل، كما قال احد المفكرين، هذه الأرض المكو ّرة مسطحة وسار فيها لا يوقفه حاجز. ولكن ها هو الرئيس الأمريكي يُخرج الفيروس من حياديته ويدخله في معركة الزعامة الأمريكية - الصينية.
لقد اصبح فيروس الكورونا، من الآن فصاعدا، وبفضل دونالد ترومب فيروسا سياسيا.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد، عصر اليوم الجمعة 17 ماي 2024 بقصر قرطاج، على جلسة عمل خُصّصت للنظر
23:28 - 2024/05/17
أشرف فاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، صباح هذا اليوم الجمعة 17 ماي 2024 على
21:35 - 2024/05/17
قدّمت رئيسة مكتب مجلس أوروبا بتونس بيلار موراليس، مقترح برنامج تعاون جديد مع مجلس نواب الشعب يهتم
15:11 - 2024/05/17
جامعات أمريكية وأوروبية وآسيوية  تنتفض على الصهيونية  المجرمة،  في المقابل  يرتمي بعض الجامعيين ا
07:00 - 2024/05/17
الأربع سنوات التي قضّاها السيد الحبيب بن يحيى، في سفارة تونس بباريس، جاءت مباشرة بعد الأربع سنوات
07:00 - 2024/05/17
مقارنة بالثلاثي الأول من سنة 2023، حققت تونس خلال الثلاثي الأول من العام الجاري نموا اقتصاديا بنس
07:00 - 2024/05/17
 مضى زمن بعيد لم تبلغ فيه «النعرة الوطنية» هذا المبلغ من القوة الذي عبّر عنه الرئيس قيس سعيّد وهو
07:00 - 2024/05/17
نظرت لجنة النظام الداخلي في مجلس نواب الشعب مؤخرا في مبادرتين تشريعيتين بخصوص تعديل بعض فصول النظ
07:00 - 2024/05/17