مع الشروق.. في شراك «التدويخ السياسي»

مع الشروق.. في شراك «التدويخ السياسي»

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/09/20

في استراتيجيتهم التفاوضية مع الفلسطينيين ومع العرب، يعتمد الصهاينة نظرية «التدويخ السياسي». هذه النظرية التي ابتدعها شمعون بيريز وخطط من خلالها  لتدويخ المفاوضين العرب وجعلهم يفقدون في الأخير بوصلتهم السياسية ويقبلون بالتالي بتنزيل سقف مطالبهم من محطة إلى أخرى ومن مدينة إلى أخرى ومن توقيع إلى آخر بشكل يجعلهم يقبضون الريح في نهاية المطاف ويقبلون به وهم يصفقون ويهلّلون.
وفق نظرية «التدويخ» التي يتخذها الصهاينة حتى بعد رحيل مبتكرها بوصلة تحدد مرجعياتهم التفاوضية وأهدافهم المرحلية مرّ العرب من مرحلة «الأرض مقابل السلام» إلى «مرحلة التطبيع مقابل السلام» ليحطوا الرحال في مرحلة الاستسلام والخنوع مقابل السلام.
فقد أدرك الصهاينة مسألة الضعف والهوان والعجز العربي ما جعلهم يفعّلون نظرية ـ التدويخ السياسي ـ لينزلوا بمرجعيتهم التفاوضية مع العرب من سقف الأرض مقابل السلام إلى عرض أكثر وفاء لموازين القوى الجديدة التي فرضوها تمثل في إعطاء العرب السلام مقابل السلام. وهو ما قابله العرب بعرض التطبيع في قمة بيروت 2002 مقابل السلام. وهو عرض يقبل بموجبه العرب بتطبيع شامل مع الصهاينة مقابل جلاء إسرائيل من الأراضي العربية والقبول بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وهو عرض لم يعد يوجد ولو في مخيلة الصهاينة الذين تمادوا في تهويد الأرض وراهنوا على الزمن وعلى الضغوط الأمريكية لتحصيل الأرض العربية والفلسطينية والتطبيع معا...
وبالفعل، فنحن الآن إزاء مرحلة جديدة تستند إلى معادلة السلام لإسرائيل مقابل الاستسلام العربي والخنوع العربي.. وهي مرحلة دخلها بعض العرب مهرولين للتوقيع على اتفاقيات التطبيع مع الصهاينة مع ان القدس لا تزال محتلة والأقصى وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لا يزال يئنّ تحت أقدام قطعان الصهاينة وآلتهم الحربية ومع أن الحقوق الفلسطينية هي الآن أبعد ما تكون عن أيادي الشعب الفلسطيني وقيادته التي تعبت من رؤية «الأشقاء العرب» وهم يتهافتون على إقامة العلاقات مع الصهاينة تحت تعلة واهية ومردودة عليهم مفادها أنهم يشجعون قادة إسرائيل على المضي في نهج السلام».
فات هؤلاء المهرولين أن الصهاينة لا يتحركون بناء على أمزجة أو على حسابات ظرفية... بل يحركهم مشروع كامل يعملون على تحقيقه منذ عقود إن لم نقل أبعد من ذلك ويهدف في نهاية المطاف إلى إقامة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات... والتي ستتحول إلى دولة محورية في الشرق الأوسط تدور في فلكها دويلات عربية ضعيفة وعاجزة رسم حدودها مشرط التقسيم وإعادة التشكيل الأمريكي على أسس عرقية وطائفية يكون قدرها أن تدور في فلك «القوة العظمى» الكيان الصهيوني... وقدرها أن تدخل في أحلاف إقليمية تعيد توجيه بوصلة الصراع باتجاه إيران وتركيا وتحول دولة الكيان إلى «دولة شقيقة» كما توقع ذلك الفنان العربي السوري دريد لحام منذ ثمانينات القرن الماضي في مسرحيته «كأسك يا وطن» في نص للكاتب الكبير الراحل محمد الماغوط.
وبالفعل فقد بدأت جامعة العرب الموقرة التمهيد لهذا «التحوّل التاريخي» الذي سيكون بمثابة منتهى «الجراحة» الصهيونية بالتدويخ السياسي، عندما رفضت إدانة التطبيع مع الكيان الصهيوني ولم تحترم على الأقل ما سمي «المبادرة العربية» التي عرضت التطبيع الكامل مقابل السلام الشامل... وهي بالمناسبة نفس الجامعة التي فتحت أبواب الجحيم على سوريا وعلى ليبيا وقبلهما على عراق  الرئيس الشهيد صدام حسين.
إنه التدويخ السياسي عندما يفعل فعله بأمة ضيّعت بوصلتها وباعت قضيتها في مزادات الخنوع والاستسلام... وأمة بلا بوصلة وبلا قضية ليس أمامها إلا المزيد من الخضوع والركوع... وهي الحقيقة التي يجب أن يستوعبها الفلسطينيون ليعوّلوا على وحدتهم وعلى شعبهم وعلى عمقهم العربي.. أما الأنظمة العربية فهي راضية مرضية في شراك «التدويخ السياسي».
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك