مع الشروق: انهيـار أسعـار النفـط، وبعــد...

مع الشروق: انهيـار أسعـار النفـط، وبعــد...

تاريخ النشر : 07:59 - 2020/04/23

انهيار أسعار النفط كان أمراً منتظرا، وهو نتيجة منطقية مباشرة لظهور وانتشار وباء كورونا. وذلك لثلاثة أسباب على الأقل، أولها تراجع الطلب في الصين إحدى أكبر الدول استهلاكا لهذه المادة، وثانيها تقلص حركة الطيران في العالم، وثالثها انخفاض نسبة استعمال السيارات الخاصة بسبب الحجر الصحي.


لكن ما لم يكن منتظرا هو المستوى القياسي لهذا الانهيار الذي لم يشهد له تاريخ البترول مثيلا، ناهيك ان  برميل النفط الأمريكي أصبح يباع بصفر دولار بعدما نزل ثمنه الى أقل من 37 دولارا، والحال  أن ثمنه يجب أن يتجاوز الـ 60 دولارا حتى يتجاوز قيمة تكلفته ويكون مربحا.


السبب الكامن وراء أزمة البترول هذه والتي بلغت أبعادا غير مسبوقة  غطت حتى على أزمة كورونا، يتمثل في صراع كان يغلي على نار هادئة للتزعّم السوق البترولية والسيطرة عليها. وقد بدأ هذا الصراع منذ ان  شرعت الولايات المتحدة الأمريكية في استخراج البترول الصخري وطوّرت إنتاجه ورفعته الى مستوى جعلها تتصدر قائمة البلدان المصدرة للنفط. وهو ما لم تقبل به السعودية التي تملك أكبر مخزون نفط في العالم مكنها منذ قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدعم أمريكي معلن، من ان تتبوّأ مكان الصدارة في السوق النفطية، ولا روسيا التي لا تقبل بتزعّم امريكا لكذا مجال حيوي واستراتيجي. ونتج ان تدفق البترول الخام على السوق بكميات منفلتة   أدت الى إغراقه متسببة، في ظل غياب الطلب وبداية حالة الانكماش الاقتصادي الناجم عن تفشي فيروس كورونا، في التراجع المتواصل لسعر البرميل. وعوض أن يكبح المنتجون الثلاثة الأهمّ، الولايات المتحدة والسعودية وروسيا، زخم إنتاجهم ويخفضون من مستوى حصصهم المعدة للتصدير، فإنهم زادوا في تنافسهم محاولا كل واحد منهم أن يدفع الآخر الى التراجع ورمي المنديل. وأمام هذا التسابق الانتحاري دقّ أعضاء وخبراء منظمة البلدان المصدرة للنفط ناقوس الخطر، وتمّ يوم 9 أفريل الجاري اتفاق لتخفيض الإنتاج بنسبة 10 % أيّ ما يعادل 10 مليون برميل يوميا. لكن ذلك لم يكف وضاقت السوق النفطية  بكميات الإنتاج وانهارت الأسعار مجددا.


في هذا السباق على الإنتاج والسيطرة على السوق البترولية اتضح سريعا ان الخاسر الأكبر هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تستخرج البترول من الصخر بتكلفة لا تسمح لها بمنافسة السعودية ولا روسيا اللتين تتمتعان بظروف انتاج طبيعية اقل عناء وايسر تكاليف. وقد أدى انهيار أسعار البترول الى إفلاس عديد الشركات الأمريكية ما دفع اللوبي البترولي الى التحرك والضغط على  على الرئيس ترومب حتى يتوخى سياسة أكثر صرامة تجاه المملكة السعودية وتحديدا إزاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يعتبره كبار منتجي النفط في الولايات المتحدة مهندس عملية اغراق سوق النفط قصد دفعهم الى الإفلاس لتزعّم هذه السوق. 
وفي انتظار ان تتبلور السياسات والمواقف فإن جل الخبراء والعارفين بشؤون النفط يعتبرون ان انهيار أسعار هذه المادة الهامة سيكون له أسوأ النتائج على العالم بأسره والذي سيستفيق، بعد نهاية أزمة كورونا على فترة من الانكماش الاقتصادي سوف يكون لها الأثر السيئ على الصناعة والتجارة العالميين لان الإنتاج سوف يرتكز على مادة البترول الثمينة والمتوفرة بكثرة.


لكن الأخطر على الإطلاق  في هذا الوضع من انهيار أسعار البترول الى هذا المستوى المذهل، هو التدهور المنتظر للظروف الاجتماعية في اغلب الدول المصدرة للنفط سواء في منطقة الخليج العربي مثل العراق والبحرين،او في امريكا اللاتينية مثل فينيزوالا، أو في أفريقيا كالجزائر التي تعرف حراكا اجتماعيا منذ مدة، أو في دول منطقة ما تحت الصحراء، في الكامرون والغابون وكونغو برازافيل، وكلها بلدان تعتمد على بترول بسعر مرتفع لمواجهة انتظارات شعوبها.
تراجع أسعار البترول قد يكون خبرا جيدا ،اما انهيارها فهو بالتأكيد خبر سيء.
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

يشارك مجلس نواب الشعب في المؤتمر الخامس لرابطة" برلمانيون من اجل القدس" الذي ينعقد باسطنبول من 26
13:17 - 2024/04/28
دعا الإتحاد العام لطلبة تونس مناضليه إلى تنظيم تظاهرات طلابية تضامنا مع الشعب الفلسطيني ومساندةً
07:00 - 2024/04/28
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد، صباح امس السبت 27 أفريل الجاري بقصر قرطاج،  Gennaro Sangiuliano،
07:00 - 2024/04/28
كشفت منظمات دولية عن ارتكاب الاحتلال الاسرائيلي لجرائم مروّعة يندى لها الجبين في غزة تضاف إلى سجل
07:00 - 2024/04/28
عندما  خرج الطلاب في جامعة السوربون  في شهر ماي من عام 1968 لم يكن يدر بخلدهم أنهم يفتتحون ثورة ط
07:00 - 2024/04/28
لليوم ال204على التوالي، واصلت مختلف فصائل المقاومة الفلسطينية التصدي لقوات الاحتلال المتوغلة في ق
07:00 - 2024/04/28
 تواصل مختلف الصحف العربية والدولية تسليط الضوء على مجريات العدوان الصهيوني على قطاع غزة .
07:00 - 2024/04/28
قال الرئيس قيس سعيّد كل شيء في المكالمة الهاتفية التي أجراها يوم الخميس الماضي مع الرئيس الفرنسي
07:00 - 2024/04/28