مع الشروق..مــن دروس كورونـــا

مع الشروق..مــن دروس كورونـــا

تاريخ النشر : 10:02 - 2020/04/27

واقعنا قبل كورونا لن يكون كواقعنا قبل كورونا.و الاصحّ هو ان نقول إن واقعنا يجب ان يكون مختلفا لانه سيكون من الغباء الاعتقاد ان لا شيء تغيّر وأنه بإمكاننا، بعد انقضاء الأزمة الوبائية، ان نعيد حياتنا من حيث توقفت، كما توقفت.
أشياء كثيرة أساسية تغيرت أهمها وعينا الجماعي بضرورة اعادة ترتيب أولوياتنا الوطنية ووضع الصحة العمومية في اعلى سلّم هذه الأولويات. لقد اثبتت الواقائع اننا كنا على طريق خاطئ حين همشنا المستشفى وتركنا المصحات الخاصة تنمو وتنتشر على حساب مؤسسات الاستشفاء العمومية مستغلة اطارات وكفاءات تكونت بفضل تضحيات المجموعة العمومية.


الصحة يجب ان تكون حق التونسيين كلهم جميعا دونما تفريق ولا تمييز من ايّ نوع كان. انه حق دستوري وانها مسؤولية الجمهورية التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات.
إن من "مزايا" هذه الجائحة أنها أعادتنا الى المبادئ الأساسية للنظام الجمهوري الذي ينزّل حق التعلم في صدارة خياراته.هنا أيضا نكتشف كم حدنا عن هذا المبدإ المقدس وكم أضعنا من وقت ثمين في صراعات حزبية وايديولوجية عقيمة من اجل تحقيق بعض المصالح الزائفة او ممارسة بعض النفوذ الوهمية، وفوّتنا على أنفسنا فرصا ثمينة لإصلاح منظومتنا التربوية وجعلها تتسع لكل ابناء تونس.


لنقلها اليوم ومدارسنا معطلة وناشئتنا، لا سيما منها التي تعاني الفقر والخصاصة تغرق في الضياع وانعدام الهدف: ان كل انقطاع عن التعليم، جريمة في حق تونس تصيب الجمهورية في شرفها.
ماذا كان يكلف الدولة لو وفّرت لكل تلميذ حاسوبا يخرج به من عصور التخلف ومن الحجر الاجتماعي والثقافي الطويل، وليتمكن اليوم من مواصلة التعلّم والتثقّف؟ انه السؤال الأخطر المطروح على السلطة حين تنتهي أزمة كورونا: متى نحقق رقمنة منظومتنا المدرسية؟


الرقمنة مطلب عاجل،و لكن مهنا كثيرة كنا نراها عادية او ثانوية وأكدت الأزمة انها أساسية لا حياة للمجتمع دونها.نتحدث هنا عن الخباز والبقال والممرض وغيرهم ممن يقفون في الصف الأول لضمان تواصل نبض قلب المجتمع.كل هذه المهن قد لا تحتاج الى الرقمنة لكنها قطعا تطلب اعادة تقييم وتنظيم وان يرفع اعتبارها وترتيبها على السلّم الاجتماعي ويُرغب فيها الشباب.
 وتبقى الفلاحة سيدة المهن التي يجب الالتفات اليها بجدية ضمن تصّور استراتيجي يكون هدفه الكبير ضمان غذاء التونسيين.لقد اثبت خدام ارض تونس وفلاحوها قدرتهم على اطعام المواطنين وتوفير حاجاتهم من لحوم وخضر وغلال. ولولا شجع الوسطاء والمضاربين الذين ألهبوا الأسعار لكانت هذه الأزمة فرصة لإحياء مقولة "تونس مطمور روما". تونس اليوم للتونسيين ولا بد من استخلاص الدرس والشروع دون إبطاء في عملية إصلاح فلاحتنا وتعصيرها.


كل هذه المقتضيات الجديدة التي فرضتها جائحة كورونا ورفعتها الى مستوى أولويات قصوى يجب ان تكون محل حوارات واستشارات وطنية تشارك فيها شرائح كل التونسيين لرسم معالم طريق المستقبل. فلنأخذ إذن موعدا مع التاريخ ونبدأ بطرح الأسئلة الواجب طرحها حول الدور الذي لعبته المؤسسات المالية من بنوك وشركات تامين وغيرها للخروج من الأزمة. اذ لا بد ان يتحمل كل ذي مسؤلية مسؤليته حين تحين ساعة التفكير والمحاسبة.
اننا، مثل كل شعوب العالم، نعيش عبر هذا الوباء لحظة استثنائية لا يمكن نسيانها مع أولى لحظات الانفراج.إنما يتوجّب علينا استثمارها  لوضع الخطط والتصورات التي تخرجنا نهائيا من سياسة الترقيع والتلفيق والطيران بالرؤية.
 

 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

إن آخر ما يتبادر إلى الذهن تحليل ما يجري في الجامعات الأمريكية.
21:21 - 2024/04/27
قياسنا هنا 7 أكتوبر وطوفان الأقصى واليوم الماءتان.
23:48 - 2024/04/23
تعقيبا وتعليقا على الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل كردة فعل على الهجوم الصهيوني الذي أودى باس
07:00 - 2024/04/22
تزامن عيد الفطر هذه السنة في غزة مع دخول طوفان الأقصى شهره السابع وما خلّفه العدوان الصهيوني من د
07:00 - 2024/04/22
تصاعدت منذ انطلاق طوفان الأقصى وتيرة مواجهة الكيان الصهيوني من خارج فلسطين وأصبحت ظاهرة بارزة بصد
07:00 - 2024/04/21
لم يكن قصف القنصلية الايرانية في دمشق عملا عبثيا وانما عملا مخطط له هدفه خلط الاوراق اقليميا ودول
07:00 - 2024/04/21
-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15