سيدي الرئيس،
اخترت أن أخاطبكم بهذا الأسلوب المباشر  لأرفع إليكم رسالة صريحة  ومختصرة دفعني إلى كتابتها ما أصبح يعتريني، ولا أحسب نفسي وحيدا في مثل هذا الوضع، من مشاعر القلق والخوف على بلدي، حاضرها ومستقبلها، منذ رحيل الرئيس الباجي قايد السبسي.

تتمتعون سيدي الرئيس، بحكم انتخابكم انتخابا حرّا عاما ومباشرا بالشرعية الأكبر في البلاد، وهو ما يجعلكم الشخصية السياسية الأولى، رغم صلاحياتكم الدستورية المحدودة، والمواطن الأول ذا القيمة الاعتبارية والرمزيّة القويّة اللتين تضعاكم فوق كل المصالح الأخرى غير الوطنية، حزبية كانت هذه المصالح أم فئوية أم قطاعية أم فردية.

.
من أجل ذلك يلتفت إليكم المواطنون، كل المواطنين، ليدركوا العقل والحكمة في مواقفكم وليشهدوا الشجاعة حين يجب الإصداع بالحقّ، وليبصروا الاعتدال والاتزان والثبات في ما تقولون وما تقرّون.

المواطنون يريدون أن يروا في رئيسهم كل هذه المواصفات لأنهم يبحثون فيه عن صورة الأب. الأب الذي يجمع ولا يفرّق ويبثّ روح الثقة والاطمئنان. هكذا نحن التونسيون وسنبقى كذلك.

لقد وصلتم، سيدي الرئيس، إلى كرسي رئاسة تونس عبر فوز انتخابي رائع وبنسبة استثنائية فاقت الـ٪72. حقّا لا أظن مثل هذا الفوز سيتكرر مستقبلا.

لذلك فإني أرى من المناسب، ونحن، في بداية مدتكم الرئاسية، أن تستغلوا ما يوفّره لكم فوزكم من سلطة ونفوذ معنويين  لسنّ تقاليد حسنة في الحكم تكون سندا صحيحا، كما يقول العلاّمة ابن خلدون لمن سيأتون بعدكم على كرسي قرطاج للسير بتونس على طريق الخير والسلام أبدا.

ولعلّ من هذه التقاليد المأمولة والمطلوبة بإلحاح بعث هيكل استشاري (يمكن تسميته لجنة أو هيئة أو مجلسا) تكون وظيفته إسداء المشورة لرئيس الجمهورية بشأن المسائل الراهنة ويرفع توصيات ومقترحات بشأنها.

يمكن تصور هذا الهيكل الاستشاري لرئيس الجمهورية في شكل آلية قارة تعمل باستمرار وعلى نحو متواصل، ويمكن كذلك أن تكون في شكل فريق غير قار يجتمع دوريا أو حينما تدعو إليه الحاجة. لكن يستحسن في كلتا الحالتين أن يقع إضفاء الصفة المؤسسية (Institutionnalisation) لهذا الهيكل رفعا لقيمته وتعزيزا لدوره.

جرت العادة والتقاليد أن تكون لرئيس الجمهورية سواء قبل الثورة أو بعدها طاقم استشاري يضم كفاءات مختصة يمثلون نظراء لأعضاء الحكومة القائمة ويضمنون عبر ما يقدّمونه لرئيس الجمهورية من إنارة أو إضاءة من بروز وجهة نظر رئاسية تصحّح أو تكمّل أو تثري التوجّه الحكومي. لكن وجود هذا الطاقم الاستشاري الضروري لرئيس الجمهورية لا ينفي الحاجة إلى توفّر هيكل استشاري دائم يقع إنشاؤه من منظور ضمان استمرارية الدولة، والمحافظة على قيم ومكاسب الجمهورية، والتشخيص المشترك لمصالحها الاستراتيجية.

كما أنه يساعد على تعميق التضامن بين الأجيال القيادية والترابط بين العائلات السياسية والحدّ من الصراعات والصدامات ووضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار آخر.

ويكوّن هذا الهيكل شخصيات تقلدت مسؤوليات من الصنف الأول في الدولة مثل رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومة ورؤساء مجلس النواب.
ويرأسه رئيس الجمهورية الحالي بحكم المنصب.

سيدي رئيس الجمهورية.
إن انتخابكم بالنسبة التي انتُخبتم بها ودون برنامج محدد سلاح ذو حدين: يوفر لكم قوة معنوية هائلة ويجعلكم في نفس الوقت عرضة لإغراءات الاستعلاء والغرور وخصوصا الاستبداد بالرأي الذي هو مركب زلوق يقود صاحبه إلى العزلة ووُهَام الاضطهاد (délire de la persécution) فيصبح يرى الأعداء والمؤامرات والغرف المغلقة في كل مكان.

سيدي الرئيس 
إن بعثكم لهيكل استشاري يجمع حولكم ويقدم لكم النصيحة والمشورة من شأنه أن يبعث رسالة طمأنة للتونسيين ويؤسس لجمهورية الاستمرار والتواصل ويمنع الكسر والانكسار.

ولكم سديد النظر ودمتم كما رمتم. والسلام.