مع الشروق.. أزمة احتكار وتلاعب بالأسعار... أم أزمة مالية عمومية؟

مع الشروق.. أزمة احتكار وتلاعب بالأسعار... أم أزمة مالية عمومية؟

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/10/05

في لقاء رئيس الجمهورية برئيسة الحكومة أول أمس تمّ التأكيد «على ضرورة ضمان تزويد الأسواق بالسلع المطلوبة ووضع حدّ لظاهرة فقدان بعض المواد فجأة لتعود إلى السوق مرة أخرى بأسعار مختلفة».. وبالفعل فإن المسألة أصبحت محيّرة وتطرح أكثر من سؤال حارق.. حتى أن المواطن العادي أضحى يتندر بهذه المعادلة كلما صدم (ويا كثرة ما بات يصدم) بغياب هذه المادة الحيوية لاستهلاكه اليومي أو تلك.. فقد تكرر الأمر مع البيض ومع اللحوم البيضاء ومع المياه المعلبة.. ومازالت مادتا السكر والحليب تتأرجحان، ومازال العرض بالنسبة لهما يتراجع أمام الطلب بغية خلق الندرة والأزمة.. من ثم تختفي المواد قبل ان تعاود الظهور بأسعار جديدة.. أسعار أرفع بكثير من تلك التي كان معمولا بها قبل ظهور هذه الأزمات التي لا تنتهي.. وكأننا أصبحنا في مشهد، بل في غابة، تتوالد منها الأزمات وتتكاثر وكأننا ازاء معادلة «أزمة تلد أخرى» بغاية التلاعب بقاعدة العرض والطلب وضرب التوازن بينهما وانهاك العرض في مواجهة الطلب كتقنية جديدة للترفيع في الأسعار.
هذه المعادلة العجيبة تضعنا أمام أحد احتمالين: اما أن البضائع متوفرة وهناك أطراف هم «المحتكرون والمناوئون والمستكرشون والمتلاعبون بقوت التونسيين وجيوبهم».. وان هؤلاء يرتعون بلا حسيب ولا رقيب ويعربدون في الأسواق ليفرضوا سلطانهم فيها ويتلاعبوا بالأسعار كيفما ما يشاؤون من خلال التلاعب بقاعدة العرض والطلب.. واما اننا ازاء صعوبات حقيقية للمالية العمومية بحيث بتنا عاجزين عن تزويد السوق بصفة منتظمة، بما يحتاجه من كميات من البضائع المختلفة.. وهو ما يفسح المجال ويوفر الأرضية الملائمة للأزمة الناتجة عن اختلال التوازن بين العرض والطلب.. وهو العامل الذي ينقض عليه صيّادو الفرص والجشعون واللاهثون وراء الثراء السريع لفرض سلطانهم من خلال التلاعب بالسوق وخلق الندرة التي يحتاجونها للترفيع في الأسعار.. لعلم هؤلاء أن المواطن هو الحلقة الضعيفة في المعادلة وأنه الطرف المغلوب و«الغلبان» فيها لأنه يصبح مستعدا لتقبّل الأسعار الجديدة (المنتفخة) بمجرد عودة البضاعة إلى السوق.
هذه المعادلة وجب على الدولة بوزاراتها وأجهزتهاودوائرها المالية أن تجد لها حلاّ. فإما ان البضائع متوفرة والأزمة يخلقها المضاربون والصائدون في المياه العكرة. وفي هذه الحالة فإن الدولة مطالبة بتفعيل ترسانة الرقابة والردع والضرب على أيدي العابثين والصائدين في المياه العكرة والمتلاعبين بالقدرة الشرائية للمواطن وبقوته وقوت عياله. وإذا كان الأمر مرتبطا بهذه الاحتمالية فلماذا تأخرت الدولة في القيام بواجبها؟ واما أن الأمر مرتبط بالمالية العمومية وبتأثر منظومات الانتاج في الحليب واللحوم البيضاء والحمراء والمياه المعدنية مثلا بالحرب الروسية ـ الأوكرانية وما سببته من ارتفاع  غير مسبوق لأسعار المواد الأولية المستوردة. وفي هذه الحالة فإن الدولة مطالبة بمصارحة الشعب والعمل على اقناعه بالأسباب الظرفية القاهرة التي باتت ترهق المالية العمومية وتطرح اشكالات حتى للدول المتقدمة فما بالك ببلد صغير ونام مثل بلدنا..
ان تكاثر الأزمات وتوالدها وما بات يتبعه من انتفاخ للأسعار بات يتطلب من الدولة جهدا حقيقيا في اتجاه الضرب على أيدي العابثين المحتكرين المتلاعبين والدولة تملك كل الأجهزة وكل الصلاحيات.. أو في اتجاه مصارحة الشعب بمن فيه الفاعلون الاقتصاديون ورجال الأعمال والمواطنون ودعوتهم إلى تحمل قسطهم من المسؤولية في الظروف الدقيقة والصعبة. وحين يقف هؤلاء على حدود امكانيات الدولة وعلى طبيعة الحلول فإنهم سيكونون قادرين على تقديم قسطهم من التضحية.. حتى تمرّ العاصفة.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك