مع الشروق ..عندما تكشف نتائج الباكالوريا... اهتراء المنظومة التربوية !

مع الشروق ..عندما تكشف نتائج الباكالوريا... اهتراء المنظومة التربوية !

تاريخ النشر : 07:00 - 2022/06/26

نتائج الدورة الأولى للباكالوريا جاءت لتكشف المستور ولتعرّي عورات نظام تربوي عليل حان الوقت للتأمّل فيه ومعالجته قبل أن تشتد العلل وتنهار العملية التربوية برمتها..
والواضح ان التشخيص يبدأ بالتأمل في مزايا التجربة البورقيبية في تعميم التعليم والبلاد تخرج لتوها من استعمار بغيض ولا تمتلك الموارد المادية الضرورية ولا الاطار البشري اللازم لمباشرة عملية جريئة بذلك الحجم وانجاحها في ظرف وجيز.. نقول ان التشخيص يبدأ من التأمل في ثنايا وتفاصيل تجربة الزعيم الحبيب بورقيبة بغية ايجاد السبل الكفيلة بإعطاء نفس ثان يركز هذه المرة على اصلاح المنظومة التربوية مثلما ركزت تجربة بورقيبة على تعميم التعليم.
في أواسط خمسينيات القرن الماضي عندما اقتلعت البلاد استقلالها التام وعندما ظهرت أولى مفاصل التجربة البورقيبية في حكم تونس وفي العمل على تنميتها في مختلف المجالات في ذلك الوقت كانت الموارد المادية شحيحة جدا.. وكانت الأطر والكوادر البشرية شحيحة جدا نتيجة لسياسات المحتل الفرنسي الذي عمل على تجهيل الشعب وتفقيره لتأبيد خضوعه واستسلامه للاحتلال والتسليم به وكأنه قدر محتوم.. لكن الزعيم الذي ابتكر وقتها شعارا كبيرا للمرحلة عرف ورفاقه كيف يعمل على شحذ الهمم وحشد الطاقات لكسب المعركة الجديدة. معركة اختزلها الزعيم بورقيبة حين قال: «خرجنا الآن من الجهاد الأصغر (ضد المحتل) وندخل معركة الجهاد الأكبر» لما تعنيه التنمية الشاملة من تركيز على بناء الانسان وعلى دعم البنية التحتية وتحسين مستوى عيش الشعب في كامل الربوع.
ومعنى هذا ان وجود المشروع وتعلّق همّة الرجال والنساء وإيمانهم بتفاصيل هذا المشروع وانخراطهم فيه قادر على تحقيق المعجزات. وهو ما تم فعلا على هذه الأرض الطيبة وفي حيّز زمني وجيز حيث أعطت عملية تعميم التعليم والصحة العمومية أكلها وتفتحت العقول وتعافت الأجسام وحققت البلاد في وقت قصير نقلة نوعية في كافة مناحي التنمية والحياة جعلت الحديث ممكنا في حينه عن معجزة تنموية تونسية.
الآن وبعد كل هذه العقود يبدو أن التكلّس ضرب مفاصل العملية التربوية وبدا واضحا تراجع المستوى وانهيار المنظومة التربوية.. وأصبح التسرب المدرسي عنوانا بارزا لفشل منظومة برمتها باتت رهن اهتراء المؤسسات التربوية وتراجع مستوى ومكانة الاطار التدريسي وتسلل آفات الانحراف والمخدرات إلى الوسط التلمذي ليصبح التعليم العمومي عنوانا لفشل منظومة بكاملها. ولترتفع الأصوات منادية بضرورة الاصلاح.. لكن أي اصلاح نريد؟ من أين نبدأ الاصلاح؟ ولماذا وجب الاصلاح الآن الآن وليس غدا؟
ان نتائج الدورة الأولى للباكالوريا وما كشفته من تراجع واهتراء للمنظومة وما أكدته من تفاوت ومن تمييز سلبي بين الجهات هي عبارة عن مطارق تطرق رؤوس كل المتدخلين في العملية التربوية وأبعد منهم كل الممسكين بدفة الحكم لأن عملية الاصلاح والنفس الثاني المطلوب اعطاؤه للعملية التربوية والتمييز الايجابي المفترض منحه للجهات المحرومة وفق الخريطة التي رسمتها نتائج الباكالوريا بالخصوص (وان كانت كل الجهات تحتاج هذا التمييز) هذه العملية تحتاج انكباب الجميع وانخراط كل الأطراف لتوفير خارطة الطريق اللازمة للاصلاح وتعبئة الموارد المادية والبشرية اللازمة لها وجدولة تنفيذها.
فهل نملك من الجرأة ومن المسؤولية ما يدفعنا للوقوف أمام المرآة واقرار الاصلاحات اللازمة التي تعيد للتعليم العمومي مصداقيته وعنفوانه.. وتعيده ركيزة من ركائز المشروع التونسي الحديث كما كان التعليم مع الصحة عناوين المشروع البورقيبي لبناء الدولة التونسية الفتية.. دولة الاستقلال.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك