مع الشروق .. أمريكــا...و«الجــرح المفتــوح»

مع الشروق .. أمريكــا...و«الجــرح المفتــوح»

تاريخ النشر : 08:16 - 2020/06/03

حين يتطرّق الحديث إلى احترام الحريات وحقوق الإنسان تقدم أمريكا نفسها على أنها واحة الحريات وحقوق الإنسان في كونيتها. وينبري الساسة والمسؤولون الأمريكيون يخطبون في شعوب العالم ويقدمون العِبَرَ والمواعظ لباقي خلق الله. بل إنهم ابتدعوا منذ سنوات مفهوم التدخل الإنساني الذي بمقتضاه تعطي أمريكا لنفسها حق التدخل هنا أو هناك تحت غطاء أممي أو بدونه لـ«نصرة» حقوق الإنسان والديمقراطية ولمقاومة التسلّط والاستبداد والدكتاتورية.. وقد شهد العالم نماذج من هذه «التدخلات الإنسانية» كان أبرزها في العراق حيث أدّى الغزو الأمريكي إلى احتلال بلد وتدمير دولة وإسقاط نظام شرعي وإغراق شعب في الدم والدمار... ومازال العراق وشعب العراق المسكين «ينعم» في خيرات «ديمقراطية الدبابات الأمريكية» ومازال يدفع المزيد من خيرة أبنائه ضريبة لتحطيم سلطته وتدمير جيشه وتفكيك دولته التي لم تعد واحدة إلا على ورق يدرك كل أبناء العراق أنه لا يساوي شيئا.
وحين يتطرّق الحديث إلى الديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان في المنطقة العربية يقدم لنا الكيان الصهيوني بتطبيل إعلامي وسياسي غربي كبير ولا يتوقف على أنه «واحة الديمقراطية» في شرق أوسط هو عبارة عن غابة من الوحوش.
وهو ما يوجب من منظورهم تقديم كل الدعم والحماية لهذا الكيان ومدّه بكل أسباب القوة ليتمكن من حماية نفسه من «العرب الوحوش» ويتمكن من تثبيت «كيانه الديمقراطي» وسط محيط تسود فيه الدكتاتورية ويعمّه الاستبداد...
ولشدة ما طبّل الإعلام الأمريكي والغربي لهاتين «الواحتين» للحرية وللديمقراطية ولحقوق الإنسان حتى كدنا نصدق. وكدنا نقنع أنفسنا أن المواطن الأسود ذا الأصول الإفريقية يتمتع في بلاد «العم سام» بكل حقوقه وأنه ينعم في بحبوحة المساواة مع المواطن الأبيض وأن كل حقوقه مصانة وحقه في الحياة وهو حق أساسي مكفول. إلى أن جاءتنا حادثة قتل المواطن الأمريكي ذي الأصول الإفريقية جورج فلويد على يد شرطي أبيض وذلك لسبب لا يمكن إيجاد تفسير له إلا في رواسب عنصرية مقيتة وحقد دفين على المواطنين السود ذوي الأصول الإفريقية الذين كادوا يصدقون بأنهم تحرّروا فعلا من العبودية واستعادوا كامل إنسانيتهم في بلد الحرية والمساواة...
أما داخل الكيان الصهيوني فإن المشهد يبدو أفظع وموغلا في السوداوية.. القتل على الهوية خبز يومي.. القتل لأتفه الأسباب حدث يومي في الأراضي المحتلة. كسر العظام والأطراف «حق» يتمتع به الفلسطينيون كاملا غير منقوص وأمام عدسات المصورين وكاميراوات الفضائيات.. المداهمات والاعتقالات والأسر «حقوق» لا يفرّط فيها الفلسطينيون ولا يتخلى عنها الصهاينة.. حتى تفرق شعب بأسره بين نصف يقبع تحت أحذية وقهر الاحتلال ونصف آخر يعاني ويلات الشتات والمنافي... آخر «إبداعات» الجيش الديمقراطي الصهيوني قتل المواطن إياد الحاج ذلك المواطن الفلسطيني الغلبان الذي لم تكفه الإعاقة حتى لاحقه الرصاص الديمقراطي ليرديه شهيدا في القدس المحتلة... لقد طبّل الإعلام الأمريكي ـ الغربي كذلك لـ«ديمقراطية إسرائيل» وحقها في الدفاع عن قلعة «الحرية والديمقراطية» في الشرق الأوسط المتوحش وبدأ بعض ـ العاربة ـ يصدّقون هذه الأكاذيب لولا تواتر أخبار العربدة الصهيونية والتي تعرّي الوجه القبيح والمتوحّش للاحتلال...
من «نيابوليس» إلى القدس المحتلة كدنا نصدق أحاديث بل أكاذيب الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان... فإذا بنا أمام آلات لا ترحم. آلات تقتل على الهوية ويداس تحت عجلاتها المواطن الأسود ذو الأصول الإفريقية والمواطن العربي الغلبان.
لقد كدنا نصدق زمن كانت السلطات الأمريكية والصهيونية تختفي وراء الكمامات وكأنها تمارس الهرب الأبدي من «كورونا» العنصرية هنا والعنصرية والاحتلال هناك... لكن حادثي قتل جورج فلويد وإياد الحاج عرّيا قبح وجه أمريكا والكيان عندما سقطت الأقنعة والكمامات ليكتشف العالم الوجه الحقيقي والقبيح لأمريكا وإسرائيل... بلا كمامات.
عبد الحميد الرياحي
 

تعليقات الفيسبوك