مع الشروق.. ... وهل يستقيم الظل.. والعود أعوج ؟

مع الشروق.. ... وهل يستقيم الظل.. والعود أعوج ؟

تاريخ النشر : 08:00 - 2021/01/20

تعيش بلادنا منذ أيام حالة غليان خطيرة وحراكا ما فتئت  عدواه تنتقل (أو تنقل) من مدينة إلى أخرى. وهي حالة تنذر بما يصحبها من عنف ومواجهات وفوضى وتخريب بانزلاقات تفتح على المجهول.. وتطرح الكثير من الأسئلة الحارقة حول خفايا وأسباب هذه التحركات.
من حيث الخفايا، فإن الكثير من الأطراف أدلت بدلوها وحاولت ايجاد تفسيرات وتبريرات لهذه المظاهرات.. حتى ان رئيس الدولة نفسه انخرط في هذه الموجة ونبّه الشباب الغاضب من محاولات بعض الأطراف توظيف غضبه أو ركوبه لتحقيق مآرب وأهداف سياسية.. وهو تمش دأب عليه رئيس الدولة من خلال حديثه المتكرر وتلميحاته المتواترة إلى «المتآمرين في الغرف المظلمة» والحال أن الشعب ينتظر منه مصارحة شاملة يتولى بمقتضاها كشف الأطراف المتآمرة والأطراف التي تحاول توظيف غضب الشباب وركوبه للتموقع وتحقيق أهداف سياسية.
وبعيدا عن نظرية المؤامرة وما تحمله هذه الأحداث في ثناياها من تعقيدات تجعل كل الفرضيات معقولة وممكنة، فإنه يمكن التوقف عند توقيت تفجّرها أولا وعند توقيت اندلاعها ليليا ثانيا. فالمتظاهر من أجل التشغيل والتنمية ومن أجل تحصيل أبسط مقومات العيش الكريم وهي مطالب مشروعة ومعقولة.. هذا المتظاهر يفترض أن يتحرك نهارا وبوجه مكشوف. وفي إطار حراك سلمي يرفع فيه ما شاء من الشعارات ومن اللافتات التي يبلغ من خلالها صوته ويسمع من خلاله شكواه.. لكن تكرر المشهد كل ليلة: حراك ليلي لمئات الأطفال والشباب هم عموما من جيل ما بعد «الثورة» وتعمد التعرض للأملاك الخاصة وللمنشآت الخاصة والعمومية مما يفتح باب عمليات كرّ وفر مع قوات الأمن يطرح العديد من علامات الاستفهام ويشوه المطالب المشروعة لشباب الأحياء الشعبية والطبقات المفقرة والمهمشة حين يضع الجميع في خانة التحركات العنيفة والمتبوعة بعمليات خلع وسرقة وحرق ومواجهات مع رجال الأمن..
ومن حيث الخفايا أيضا فإن الصمت المطبق للأحزاب ولنشطاء المجتمع المدني الذين تميزوا بالغياب زمن الحضور يطرح الكثير من الأسئلة. ذلك أن الحوانيت الحزبية التي نبتت كالفقاقيع في السنوات العشر الأخيرة والتي ملأت المنابر وشغلت الناس صوّرت نفسها وكأنها تمتلك مفاتيح تونس وتمتلك تفويضا للتكلم باسم الشعب والتعبير عن آماله وطموحاته.. لكنها في مثل هذه الأحداث والأوقات العصيبة غابت بالكامل ولم يسمع لها ركزا على الميدان.. وكأنما هي تسعى بنفاق مسؤوليها وانتهازيتهم إلى الاستثمار في الأزمة وفي غضب الشباب.. أما من حيث الأسباب وتحديد المسؤوليات فإن الحكام الجدد كلهم مسؤولون. لأنهم انخرطوا منذ 10 سنوات في معارك التموقع في السلطة والتغلغل في مفاصلها.. كما انخرطوا في عمليات تخريب وتدمير ممنهجة للدولة ولمؤسسات الدولة ولاقتصاد البلاد وللإدارة بجناية ما يسمى «سياسة ديقاج» التي اقتلعت الكفاءات حيثما وجدت لتعوضها بالجهل وبالولاءات ما أدى إلى رسم هذه اللوحة المفزعة والمرعبة للانهيار الشامل الذي عرفته الدولة.. وهو ما حوّلها إلى جسم عليل، هزيل، ضعيف، عاجز عن التعاطي مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية الجارفة.. وقاصر عن الانصات لأصوات الشباب ولانتظاراته وعن تفسير تحركاته البائسة وهو يلوذ بـ«الحرقة» وما يتبعها من موت وبالانتحار وبالموت البطيء في طوابير البطالة وفي زوايا الفقر والتهميش.. فمن يكون الجاني ومن يكون الضحية؟ ومن نحاسب على موجة الحراك الليلي أو النهاري وما تبعها من تخريب وحرق ومواجهات مع الأمن؟ جزء من الجواب قد نجده لدى الشباب الذي انسدت أمامه كل الأفق ولم يعد يرى نورا في نهاية النفق فآثر التعبير عن شكواه على طريقته وإن كان العنف مرفوضا جملة وتفصيلا.. وجزء آخر من الجواب نجده حتما في عجز الحكومة الحالية وعجز كل الحكومات السابقة وفشل كامل الطبقة السياسية في الخروج من جلابيب الأحزاب والألوان الحزبية ليتموقعوا تحت خيمة الوطن ويلتحموا بشعبهم وبقضايا شعبهم..
فكيف يستقيم الظل إذا كان العود أعوج ؟!
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك