مع الشروق.. تنقيحات مشبوهة... تؤسّس لإغراق الاعلام في الفوضى !

مع الشروق.. تنقيحات مشبوهة... تؤسّس لإغراق الاعلام في الفوضى !

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/10/18

لا يختلف عاقلان حول أهمية الاعلام سواء في فترات الانتقال الديمقراطي مثل التي تعيشها بلادنا أو فترات الاستقرار. وليس من قبيل الصدف أو العبث أن يتم تكريس الاعلام كسلطة رابعة لما لهذا القطاع من أهمية في حياة المجتمعات.. ولقدراته الخارقة على التأثير في الناس وفي صناعة الرأي العام وتوجيهه.
ولعل الاعلام في فترات الارتباك والأزمات كالتي تعيشها بلادنا منذ سنوات يرتقي ليصبح في صدارة السلط وفي مقدمة الأدوات الفاعلة والأسلحة الفتاكة التي بإمكانها التأثير وتوجيه الأحداث إلى هذا المنحنى أو ذاك.. لذلك يتجه الحرص نحو وضع التشريعات والهياكل والضوابط اللازمة لتقنين الأداء داخل هذا القطاع.. ولضبط إيقاع مختلف المتدخلين وفقا لأسس القانون المتعارف عليها ولمقتضيات القواعد المهنية والأخلاقية التي يجب إعلاؤها وجعلها المرجعية الأولى والأخيرة للحراك الاعلامي داخل مشهد مازال يبحث عن بوصلته كالذي يتحرك فيه اعلامنا..
ونحن نلاحظ في الفترة الأخيرة حجم الجدل الذي تثيره التنقيحات للمرسوم 116 الذي تقدمت به جهة سياسية والتي يجري الحشد والضغط لإدارجها على جدول أعمال مجلس الشعب بغية تمريرها. مشكل هذه التنقيحات انها مسقطة من جهة سياسية ترمي من ورائها إلى خلط الحابل بالنابل وإلى إخراج الاعلام من دائرة الضوابط القانونية والأخلاقية والمهنية والزج به في دائرة مراكز النفوذ واللوبيات بما يستتبع ذلك من فوضى في المشهد الاعلامي.. وكذلك من تأسيس لبث الفتنة والفوضى داخل المجتمع.
التنقيحات المقترحة والمسقطة إسقاطا لم يتم فيها الاستئناس بآراء أهل الذكر وبمواقف ورؤى الهياكل المهنية القائمة.. ليس هذا فقط، بل انها جاءت لتلتف على كل هذه الأطراف ولتلتف على كل الضوابط.. بل انها تخطط لاخراج القطاع الاعلامي من حاضنته القانونية والمهنية والأخلاقية المتعارف عليها والتي تساهم رغم كل ما يمكن أن يقال فيها في ضبط إيقاع هذا القطاع الحيوي والحساس والزج به في دائرة المجهول.. ليكون المشهد الاعلامي مجالا لسطوة المال الفاسد وملعبا للوبيات ولمراكز القوى وحتى للأحزاب من كل التوجهات.. لنصل في الأخير إلى مشهد إعلامي تسوده الفوضى العارمة والشاملة.. مشهد تحكمه التناقضات وتصفية الحسابات وخدمة الأهداف الضيقة للوبيات ولأصحاب السطوة والمال.. وهي فوضى خلاقة لكل الفتن مشجعة لكل النعرات الجهوية أو السياسية المتطرفة أو العرقية أو القطاعية أو المهنية.. وكلها نعرات هدّامة للوحدة الوطنية، مدمّرة لناموس الدولة ولهيبتها، محطمة لعلوية القانون والمؤسسات.. وكل هذه غايات مشبوهة لجهة كونها تتقاطع في الأخير مع مخطط «الفوضى الخلاقة» الذي يطرق أبواب منطقتنا العربية عموما منذ عشر سنوات.. والذي يرمي إلى بعث «شرق أوسط جديد» على أسس عرقية أو جهوية أو عشائرية أو دينية.. وكلها بذور فتن يمكن للاعلام أن يغذيها ويؤججها وأن يبحث لها عن روافد جديدة مثل التي ظهرت في بلادنا حين ضعفت الدولة وتراجعت هيبتها لتطفو على السطح لوبيات المال الفاسد ومراكز النفوذ والقبائل المهنية ومعها كل النعرات التي يمكن أن تتدثر بحرية الاعلام لتنفث سمومها في المجتمع ولتكمل الاجهاز على الدولة ومؤسساتها خدمة لأجندات خبيثة ما فتئت تطرق أبوابنا بقوة منذ سنوات..
إن أي تحوير أو تطوير للمرسوم 116 سيكون مرحبا به حين ينطلق من العناوين الصحيحة.. وحين يطبخ بأيدي وأدمغة أهل الذكر.. وحين تصوغه أيادي المهنيين وهياكلهم المعروفة ليأتي مستجيبا لحاجة القطاع والبلاد والشعب وليس لطموحات وألاعيب بعض الجهات التي تمتلك أجندات مريبة ومشبوهة تشي بها هذه الطرق والأساليب الملتوية في صياغة تنقيحات على المقاس تهدف إلى اغراق المشهد الاعلامي  في فوضى عارمة سوف لن تخرج منها البلاد سالمة.. فيما لو تم تمرير هذه التنقيحات العرجاء والمسمومة.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك