مع الشروق.. «قوارب الموت» الوجه الآخر لعجز الأحزاب !

مع الشروق.. «قوارب الموت» الوجه الآخر لعجز الأحزاب !

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/08/04

«الحرقة» ليست ظاهرة تونسية صرفة لكن معدّلاتها تصاعدت في الأشهر الأخيرة بوتائر محيّرة. وتائر بات معها الحديث ممكنا عن ظاهرة محيّرة وجب التحرّك بسرعة لإيجاد أجوبة ضافية حول أسبابها وحول سبل التقليص منها وإيقافها.
فقد ظلت كظاهرة تتفاقم من سنة إلى سنة.. ورغم يقظة رجال الحرس البحري ورغم المآسي الكثيرة التي يتعرض لها «الحراقة» ورغم الفاتورة البشرية الباهظة التي تدفع من أرواح الحارقين، فإن النزيف ظل يتفاقم.. لترتفع معه وبشكل محيّر اعداد الشباب الراغبين في الحرقة.. بل ان ـ قوارب الموت ـ باتت تستقطب شرائح جديدة منها الأطفال ومنها الكهول ومنها العائلات وحتى الرضع. كل يوم عشرات بل مئات من هؤلاء يلقون بأنفسهم في البحر على متن قوارب متهالكة.. وقد وقعوا في شراك ـ تجار البشر ـ الذين أصبحت الأرواح الآدمية عندهم لا تساوي شيئا وقد تحول ضحاياهم إلى مجرّد أرقام لملايين يضيفونها إلى جيوبهم.
أسباب هذه الظاهرة واضحة للعين المجرّدة.. فعشر سنوات من الاحباط ومن تردّي الأمور ومن غياب الدولة ومن تناحر السياسيين وعشر سنوات من عجز الحكومات ومن شلل مؤسسات الدولة ومن العجز الرسمي عن معالجة ولو مشكل واحد. وعشر سنوات من غياب فرص التشغيل بل ومن انهيار وعجز الكثير من المؤسسات المشغلة.. كل هذه اللوحة القاتمة أطفأت كل شموع الأمل لدى شرائح عريضة من الشعب.. وجعلت اليأس يدب إلى النفوس والاحباط يتملّك الجميع في غياب أي أفق لتغيّر الأوضاع والأحوال نحو الأفضل.. وعند هذه النقطة تستوي الأمور عند «مريدي الحرقة» وعند من يرون فيها خلاصا من واقعهم المأساوي.. بقطع النظر عن  مآلات رحلة المجهول التي تبدأ على متن مركب متهالك يزدحم بكتل اللحم البشري وقد يبلغ الضفة الأخرى ليقع في شباك الأمن الايطالي وقد تبتلعه الأمواج العاتية بمن فيه من الشباب والكهول والأطفال وبما يحملونه من أحلام وآمال دفعتهم دفعا إلى رحلة المجهول وقتلت لديهم كل احساس بالخطر وقد استقرت لديهم الأمور وباتوا على قناعة بأنهم ميتون بالحياة في وطنهم أو ميتون غرقا في البحر.. المهم أن يحاولوا عساهم يبلغون الضفة الأخرى التي تساوي عندهم الأمل والحياة وحلم تحصيل سبل العيش الكريم.
ومع أن المأساة تتواصل منذ سنوات طويلة ومع أن دموع أهالي ضحايا الحرقة تكاد تغرق السياسيين وأهل القرار فإن الحلول غائبة والظاهرة في تفاقم.. ليتواصل عبث السياسيين وانخراطهم في لعبة الخلافات والمناكفات واللهث وراء المصالح الحزبية والفئوية الضيقة. وهذه مأساة وجب أن تتوقف. وان كانت الأحزاب جرّبت طيلة هذه السنوات وأبانت عن عجز كامل على تغيير أحوال الناس وعن الاستجابة لطلبات وانتظارات الناس ولو في الحدود الدنيا فلمَ لا نتحرك في اتجاه حكومة كفاءات غير متحزّبة عساها تنجح حيث فشلت الأحزاب وعساها تجد حلولا لكل الملفات الشائكة وفي طليعتها ملف البطالة والانهيار الاقتصادي بما يتبعهما من احباط ويأس وانسداد للأفق.
سيقول المتحزبون أنهم يريدون حكومة حزبية ليوفروا لها حزاما سياسيا ولتكون خاضعة للمحاسبة.. لكن هذا القول لم يعد ينطلي على أحد بعد 10 سنوات كاملة من العجز ومن الفشل ومن انهيار الدولة ودمار معنويات الناس وخراب جيوبهم.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك