مع الشروق..كل شيء يبدأ باستعادة هيبة الدولة! !

مع الشروق..كل شيء يبدأ باستعادة هيبة الدولة! !

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/09/23

في العشرية الأخيرة تكدّست كل النذر والمؤشرات الدالة على انهيار هيبة الدولة... انهيار جعل منطق علوية القانون والمؤسسة ينهار فاسحا المجال لتغوّل المواطن حيثما كان.
وقد بات من اليسير رصد علامات هذا التغول سواء من خلال تعاطي المواطن مع مقتضيات القانون أو من خلال الكثير من السلوكات الخاطئة والمنفلتة التي بات يأتيها العامل للمطالبة بحق أو ما يراه حقا أو يأتيها العاطل عن العمل للمطالبة بالحق في التشغيل.
وبالنتيجة حدث ويحدث في كثير من الأحيان أن يجتمع عدد من المواطنين والأهالي لإغلاق الطرقات أو لتعطيل سير المرافق العامة من أجل المطالبة بالماء أو بالتنمية وبالقضاء على التهميش.
كما بات من المألوف رؤية جمع من العاطلين يتحركون لتعطيل العمل هنا وهناك باسم المطالبة بالحق في التشغيل...
وهو المشهد الذي ظل يتكرّر منذ سنوات في الحوض المنجمي علاوة على التحركات المتقطعة في منطقة الكامور والتي أفضت في الفترة الأخيرة إلى إغلاق مواقع إنتاج النفط وهو ما دفع الشركات العاملة هناك إلى غلق أبوابها أو التلويح بغلقها.
ومن الحوض المنجمي إلى مواقع إنتاج البترول يتجلى عجز الدولة وانهيار هيبتها حيث لم تعد قادرة على إدارة هذه الأزمات بشكل يوقف النزيف من خلال التوصّل مع المحتجين إلى حلول مبتكرة تستأصل الإشكال من جذوره وتؤمن سير العمل في هذه المنشآت التي يفترض أن تدر مبالغ ضخمة من العملة الصعبة والتي تشغل الآلاف...
انهيار هيبة الدولة وتآكل مصداقيتها سهّل تغوّل المواطن الذي فقد الثقة في الدولة وفي أجهزتها وحتى في مسؤوليها ما جعله يتحرك بهذا الشكل العشوائي الذي يشبه إلى حد كبير عمليات انتحار جماعية، لأن العقل السليم لا يجد تفسيرا ولا تبريرا لتعطيل العمل لسنوات ولشهور ما يفوّت على المجموعة الوطنية فرص تصدير منتجاتنا وجني ملايين الدولارات من وراء ذلك... في حين نهرول إلى صناديق  الاقتراض الدولية  وإلى المقرضين العاديين للحصول على المزيد من القروض بنسب فائدة مرتفعة جدا.. وهو ما يزيد في إغراق كاهل البلاد والعباد بالدين وبخدمة الدين...
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، وتداعيات انهيار هيبة الدولة وعجزها يمكن أن تطال كل مناحي الحياة... لتصبح مخططات الدولة وتوجهات المسؤولين في واد وتحركات وسلوكات المواطن في واد آخر. وهذه حقيقة نلمسها مثلا في تعاطي المواطن مع فيروس كورونا.
ففي حين يصرخ المسؤولون على المستوى السياسي وعلى مستوى الهياكل الطبية ليحسسوا المواطن بحتمية الانخراط الواعي والفاعل في الحرب على فيروس كورونا... وهي بالمناسبة حرب لا تكسب إلا بالوعي والمسؤولية وبالالتزام بمقتضيات البروتوكول الصحي... في هذا الوقت يتمادى المواطن في استهتاره وسلوكه اللامبالي بنداءات المسؤولين وبمتطلبات الحد الأدنى من شروط السلامة الفردية والجماعية...
ويقينا، فإن أمر البلاد لن يصلح متى تواصلت سياسة الغياب زمن الحضور. ومتى تمادت الدولة في الصمت وهي ترى هيبتها وهيبة القانون ومتطلبات الأمن القومي تداس على مرأى ومسمع الجميع. ومن الاقتصاد إلى الصحة إلى كل مناحي الحياة تبقى الدولة مطالبة بلعب دورها وبالاضطلاع بمسؤولياتها في مجال إنفاذ القانون وردع كل السلوكات المتهورة والمستهترة... لأن الاقتصاد  إذا انهار فسوف يجرفنا جميعا... وكورونا إذا انتشرت بسبب السلوكات المستهترة فلن ينجو منها أحد...
والمثل يقول «أن تتحرك متأخرا أفضل من ألا تتحرك أبدا» وهو مثل ينطبق على واقع حالنا بشكل كامل.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك