مع الشروق .لا مفر من التعويل على قدراتنا ومواردنا »!

مع الشروق .لا مفر من التعويل على قدراتنا ومواردنا »!

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/05/22

بعد أزمة كورونا ستجد تونس نفسها، شأنها شأن عديد دول العالم، في حاجة إلى التعويل على نفسها في عديد مجالات الانتاج والابتكارات، وذلك بسبب تواصل غلق الحدود ونُدرة بعض المنتوجات والسلع في السوق العالمية وارتفاع اسعارها إلى جانب الارتفاع المنتظر لتكاليف النقل البحري او الجوي عند التوريد.
منذ الاستقلال إلى اليوم، ظل مسؤولو مختلف الحكومات يجدون "مُتعة" عند الاكتفاء بتوريد بعض المنتوجات من الخارج، لان ذلك أقل أعباء ومشاكل من انتاجها محليا.. فهم "يتلذّذون" مثلا عند توريد أغلب حاجياتنا من القمح ومن الأعلاف ومن الزيوت النباتية وأحيانا من اللحوم والألبان، لأن ذلك أسهل في نظرهم وأقل جهدا من التعويل على فلاحتنا في توفير مختلف الحاجيات. ويتلذذون أيضا عند توريد منتوجات أخرى بسيطة بالامكان انتاجها في تونس وبأفضل جودة، لان ذلك أيضا أقل جهدا بالنسبة اليهم من التشجيع على انتاجها محليا.
ومنذ الاستقلال إلى اليوم، ظل تفكير المسؤولين في تونس مُعدلا على فكرة أن السياحة تعني فقط "أجنبي يزور تونس" لأن ذلك بالنسبة إليهم أسهل وأقل جهودا من تطوير السياحة الداخلية ومن الاجتهاد في وضع برامج لتشجيع الناس عليها. فأصبح القطاع السياحي بذلك رهين السياح الاجانب، فإذا ارتفع عددهم انتعش القطاع وحقق أرباحا و"تلذّذ" المسؤولون الأمر مرة اخرى.. وإذا حصلت أزمة، انخفض عددهم وتدهورت حالة القطاع، على غرار ما يحصل اليوم.
وفي السنوات الأخيرة، ظل المسؤولون يتلذذون أيضا في توفير نسبة كبيرة من الموارد المالية للميزانية عبر التداين من الخارج بدل الاجتهاد في تطوير الجباية والضرائب وجعلها لا تعول فقط على أصحاب الموارد القارة (الأجراء) بل على تعبئة ضرائب إضافية من أصحاب المداخيل  المرتفعة والثروات الطائلة فذلك سيغني البلاد عن التداين من الخارج..
إن ما ذكره رئيس الحكومة الياس الفخفاخ من ضرورة التعويل على القدرات والامكانات التونسية لتعبئة الموارد الذاتية في ظل الصعوبات المنتظرة على الصعيد الدولي بعد أزمة كورونا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تلك التقاليد السيئة – تقاليد الكسل - التي يجد فيها المسؤولون "متعة" لا توصف في التعويل على الخارج بدل الاجتهاد في استغلال مواردنا وامكانياتنا والتشجيع على الانتاج المحلي.
لقد آن الأوان اليوم، إن كانت هناك رغبة حقيقية لدى الفخفاخ في "التغيير" وفي تحقيق ثورة انتاجية في هذه البلاد، للقطع مع كل تلك التقاليد البائسة التي تثير مُتعة المسؤولين وتريحهم داخل مكاتبهم الفاخرة، وهي التقاليد التي تجعل من أمننا الغذائي قائما على التوريد من الخارج وتجعل انتعاش السياحة متوقفا على السائح الاجنبي والميزانية متوقفة على القروض من الخارج..
لن ينجح توجه الفخفاخ نحو التعويل على قدراتنا الذاتية ما لم يقع اصلاح فلاحتنا وتطوير زراعة الحبوب وتطوير قطيع الماشية وتشجيع الشباب على النشاط الفلاحي وتثمين زيت الزيتون.. ولن ينجح هذا التمشي ما لم يقع تطوير السياحة الداخلية القادرة على توفير موارد محترمة للقطاع على مدار السنة دون انتظار مجيء السياح الاجانب . ولن ينجح هذا التمشي بميزانية تعتمد على التداين الخارجي بل لا بد من تطوير الموارد الجبائية الداخلية من خلال استهداف الجميع دون استثناء بالضرائب خاصة أصحاب المداخيل الكبرى من غير الاجراء واصحاب الثروات الطائلة..

فاضل الطياشي

تعليقات الفيسبوك