مع الشروق..مقاربة جديدة للتعاطي مع الأزمة

مع الشروق..مقاربة جديدة للتعاطي مع الأزمة

تاريخ النشر : 08:00 - 2020/11/29

كل جهات البلاد تغلي وتطالب بالتنمية والتشغيل. وكل القطاعات المهنية غاضبة وتشتكي غلاء المعيشة وتطالب بتحسين الأوضاع المادية لمنظوريها. والتنسيقيات تتكاثر وتنتشر وتتهافت على قضم ما بقي من هيبة الدولة. إزاء هذه اللوحة القاتمة والمروّعة نجد حكامنا يتصرفون بنسق عادي ونجد أحزابنا تنام في العسل ولا نكاد نسمع لها ركْزا على الميدان من حيث التوعية والتحسيس وتأطير الحراك الاجتماعي الذي انفلت وبلغ درجات تنذر بكل المخاطر.
واضح أن الوضع الذي تعيشه البلاد قد أصبح وضعا استثنائيا بكل المقاييس. على مدى عشر سنوات تراكمت أكوام المشاكل والمعضلات وعمّ الخراب كل المجالات تقريبا. وبالمحصلة غرقت البلاد في بحر من الديون ونضبت خزائن الدولة وقلّت حيلتها إلى درجة أنها أصبحت عاجزة عن حشد الموارد اللازمة لتمويل ميزانية تكميلية تغلق بها ثغرات هذا العام الصعب.
وواضح أن كل المهدئات والمسكّنات لم تعد تنفع لتهدئة غضب «القبائل المهنية والقطاعية» وصبر كل الغاضبين قد نفد.. وفوق هذا فقد تكدست مؤشرات ضعف الدولة وانهيار صورتها وهيبتها لدرجة أصبح معها تغوّل المواطن على سطوة القانون والمؤسسة أمرا ملموسا ويتحرك بيننا ويمشي معنا في الأسواق ويجالسنا في المقاهي.
هذا الوضع الاستثنائي إن لم نقل السريالي لم تعد تنفع معه الحلول التقليدية ولا المعالجات المعتادة. بل أصبح يتطلب معالجات استثنائية مبتكرة بدورها وفيها الكثير من المرونة ومن الابداع لتلقى رواجا لدى المواطن الذي طال صبره ولم يعد الخطاب الخشبي يشدّه ولا خطاب التسويف يستهويه. هذا الوضع يتطلب أولا القفز على سياسة إلقاء التهم ومسؤولية غرق المركب على الحكومات السابقة.. لأنه لولا فشلها لكانت استمرت في الحكم ولولا عجزها لما كانت المشاكل والأزمات تراكمت.. ولولا الحاجة إلى الإنقاذ لما تم اللجوء إلى اسقاط حكومات وتصعيد أخرى.. لذلك فالزمن لم يعد زمن محاسبة سياسية وتسجيل نقاط لتحويل الأنظار.. بل الزمن زمن ابداع في التشخيص وإبداع في وضع وصفات العلاج الملائمة وبراعة في اختصار الطرق واختزال الآجال.
كما تتطلب معالجة هذا الوضع التسلح بالجرأة السياسية ثانيا. هذه الجرأة التي تمكن الحاكم من النظر إلى المرآة ومن مواجهة المواطن بحقائق ودقائق الأمور حتى يتحمل نصيبه من المسؤولية وحتى  نضمن تعبئته وتحويله إلى عنصر فعل وليس أداة هدم.. كما تمكّن الحاكم من جهة أخرى من تفعيل قوة القانون وعلوية المصلحة العليا للوطن ضدّ كل النزاعات الهدامة لأن تكدّس الاشارات على ضعف الدولة وعجزها  سيكون بمثابة تهيئة الظروف للعاصفة الاجتماعية التي سوف تقتلع ما تبقى وتشيع الفوضى وعدم الاستقرار.
إن هامش المناورة يضيق أمام الجميع. والمنطق السليم يقتضي استئصال الورم السرطاني قبل اسفحاله  وتفشيه. وبإمكان الحكومة والأحزاب بذل جهد إضافي لتأمين ظروف تجاوز هذه الأزمة الحادة التي ظهرت مؤشراتها في كل الجهات وفي كل القطاعات.. لأن التمادي في سياسة التقاذف بالتهم ودس الرؤوس في الرمل لن ينفعا مع هذه الأزمة التي سوف تعصف بالجميع.
عبد الحميد الرياحي

تعليقات الفيسبوك