قيس سعيد ..رعب الشعبوية القادم من قرطاج

قيس سعيد ..رعب الشعبوية القادم من قرطاج

تاريخ النشر : 15:48 - 2020/09/29


سنة مرت على وصول تسونامي "الشعب يريد" الى قصر قرطاج، التسونامي الذي رفع أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد إلى أعلى هرم السلطة في تونس وشكل مفاجأة لأغلب النخب السياسية التقليدية التي حكمت البلاد على مدى نصف قرن.لكن المفاجآت لم تقف عند هذا الحد، بل استمرت على مدار سنة كاملة  أفرزت مشهدا مريعا يمكن أن يكون الأبشع منذ الثورة وهو الشعبوية.
رغم أن تونس شهدت ظهور "شعبويين" سابقا إلا أنهم لم يحظوا بمثل هذا الزخم الذي حضي به قيس سعيد من قبل، فالإستراتيجية المحكمة التي اتبعها سعيد ورفعه لشعار "الشعب يريد" المترجم إلى حكم الأغلبية شكل حوله حزاما شعبيا فوضويا خاصة مع افتقار الرئيس لبرنامج واضح وتخبط في القرارات والتصريحات توجت يوم أمس بموقف راديكالي متطرف إزاء قصية حساسة وهي عقوبة الإعدام في تونس.
أعلن رئيس الجمهورية يوم أمس في خطابه عن دعمه لتنفيذ عقوبة الإعدام في تونس، تلك العقوبة التي تم تعليق تنفيذها منذ سنة 1993 وكان آخر الذين نفذ فيهم الحكم هو سفاح نابل الناصر الدامرجي، دعم الرئيس ظاهره حق يراد به باطل، فظاهره الانصياع لإرادة الشعب الذي طالب عبر صفحات التواصل الاجتماعي بتطبيق عقوبة الإعدام في حق قاتل "مفترض" للمرحومة رحمة الأحمر التي تعرضت لجريمة اغتصاب وقتل بشعة-لا يختلف اثنان في بشاعتها وتجرد مرتكبها/مرتكبيها من الإنسانية والرحمة-  وهي لحظة انفعالية تمر بها اغلب المجتمعات عند ظهور مثل هكذا جرائم على سطح الأحداث اليومية، لكن جوهر الموضوع مسألة مختلفة تماما.
استغل قيس سعيد حالة الهياج الشعب/ الفايسبوكي ليمتطي صهوة شعاره المفضل "الشعب يريد" مجددا ويؤصل لثقافة العنف والقصاص متجردا من خلفيته القانونية الأكاديمية فقط لتوسعة دائرة نفوذه على نفوس الشعب التونسي.
خطاب اتصالي مدروس لخدمة إيديولوجيا قيس سعيد وأجندته السياسية جاء على حساب تاريخ من النضالات الحقوقية والسياسية ربحت فيها تونس نصف المعركة وهي تعليق عقوبة الإعدام، ليأتي قيس سعيد ويعيدنا مرة أخرى لمربع الجهل والعنف واللاإنسانية
يوم أمس أصدر رئيس الجمهورية حكما أخلاقيا بالإعدام في قضية لا تزال محل نظر أمام القضاء، وفي هذا تدخل سافر وفج في السلطة القضائية ومس من استقلالية القضاء، وضرب عرض الحائط بالدستور التي يؤسس أولا لمدنية الدولة وعدم استنادها لأي نصوص دينية وثانيا الضامن لحق الحياة تحت أي ظرف.
استعمل قيس سعيد جميع المحفزات الإجتماعية من الغضب والخوف وهيجان الطوائف من كل نوع و الرغبة في الانتقام والشعور المتنامي بالاختناق لإرضاء "أنصاره" وقواعده الآخذة في التنامي والذين هم المحرك الأساسي لمشروعه السياسي دون مبالاة بما ستجره مثل هذه الخيارات السياسية والأخلاقية من وبال على الأجيال القادمة.
عندما يتحدث رئيس الجمهورية في خطاب رسمي عن عصابات منظمة تحترف جرائم الدم وتهدف لإرباك المجتمع فهو هنا لم يصارح الشعب ولم يصف الواقع، بل ساهم بشكل رئيسي في بث الذعر والبلبلة في المجتمع، ووضع المؤسسة الأمنية موضع مساءلة وإحراج غير مبرر، وفي نفس الوقت لم يقدم حلولا عملية أو رؤية واضحة عن كيفية معالجة الأزمة الإجتماعية العميقة التي تتطلب دراسة وتبصرا وبعد نظر للإلمام بكل الجوانب المتعلقة بتفشي الجريمة والعنف في تونس.
اختار الرئيس الحل الأسهل والضامن لامتداد شعبيته سنوات مقبلة وهو مجابهة العنف بالعنف استنادا للنص الديني متجاهلا دوره الرئيسي كرئيس دولة وهو الحفاظ على تماسك المجتمع وتوريث تركة سياسية لخلفه المقبل قابلة للإصلاح والتطوير، اختار الرئيس مواصلة شعبويته المرعبة التي هي حاليا أكبر عدو يهدد الديمقراطية والسلم الإجتماعي في تونس التي لا يمكن أن تفضي إلا إلى توليد أزمات جديدة تتوارثها الأجيال القادمة وتقضي على ما تحقق من مكاسب في العقود الماضية. 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

قياسنا هنا 7 أكتوبر وطوفان الأقصى واليوم الماءتان.
23:48 - 2024/04/23
تعقيبا وتعليقا على الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل كردة فعل على الهجوم الصهيوني الذي أودى باس
07:00 - 2024/04/22
تزامن عيد الفطر هذه السنة في غزة مع دخول طوفان الأقصى شهره السابع وما خلّفه العدوان الصهيوني من د
07:00 - 2024/04/22
تصاعدت منذ انطلاق طوفان الأقصى وتيرة مواجهة الكيان الصهيوني من خارج فلسطين وأصبحت ظاهرة بارزة بصد
07:00 - 2024/04/21
لم يكن قصف القنصلية الايرانية في دمشق عملا عبثيا وانما عملا مخطط له هدفه خلط الاوراق اقليميا ودول
07:00 - 2024/04/21
-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15
مرّت ذكرى يوم الطفل الفلسطيني الموافق للخامس من شهر افريل هذه السنة في ظروف صعبة لواقع الطفل الفل
09:16 - 2024/04/15