بالرغم من كون اتفاق الكامور الذي توصلت إليه حكومة المشيشي مكسبا وطنيا حضيت به جهة تطاوين إلا أنه ومن جهة أخرى يعتبر إثباتا قطعيا على عدم قدرة الحكومة التونسية على التخطيط المحكم وافتقارها لوضع إستراتيجيات علمية لقراراتها .
لقد فصل اتفاق الكامور ولو مبدئيا في إشكاليات التشغيل والثروات النفطية التي لا تعود بالنفع على أبناء الجهة . إلا أنه يعتبر حسب مفهوم التخطيط السياسي إنصياعا أعمى من الدول لسياسة لي الذراع التي تم إنتهاجها الشيئ الذي قضى كليا على مفهوم هيبة الدولة وفتح افاقا جديدة لما يسمى دوليا بمفهوم التمرد المدني على الدولة .
فكما أن الكامور طرح إشكاليات أرّقت الدولة والشباب على حد السواء إلا أن الإتّفاق المتوصل إليه عمّق إشكاليات أخرى ولعلّها تكون أعمق من تلك التي وقع حلها .
للغاز أيضا "فانا" كما للبترول باتت هي الأخرى وسيلة ضغط لم تحسب حكومة المشيشي حسابها الى جانب ثوران بركان الإحتجاجات في جميع المجالات بعد أن أعياه الخمود طيلة سنوات .
إن التخطيط الإستراتيجي المحكم الذي يجب أن تتبعه الدولة خلال هذه الفترة لا بد وأن يشمل جميع القطاعات والمجالات حتى وإن كان باجزاء بسيطة لأنها ستعتبر مكاسب خلال هذه الفترة ولعل ابرزها :
*1/ حلّ مشاكل الفنّانين والتوصل إلى إتفاق يرضي جميع الأطراف ولا يضر بالمصلحة العامة أو بالفنان باعتبار انه من الطبقة المثقفة التي يجب الإعتناء بها من جميع الجوانب خاصة خلال هذه الفترة الصعبة التي فرضها الوضع الصحي العالمي وغياب وزير للثقافة حاليا
*2/ ضرورة النظر في جودة الخدمات الصحية في تونس وإلزام جميع المؤسسات الصحية الخاصة على إسداء الخدمات الصحية للجميع دون إستثناء وحسب تسعيرة معينة تحددها الدولة وإغلاق أي مصحة تخالف ذلك
كما أن الدولة مطالبة بإصلاح منظومة الصحة العمومية والوقوف بكل جدية أمام الأطراف التي تسعى إلى تلميع صورة المصحات الخاصة على حساب مؤسسات الصحة العمومية في حين أنه من المفروض ألاّ يكون بينهما فرق في الخدمات المسدات وإنما الفرق الوحيد إن وجد يمكن أن يكون في ربح الوقت لان الحق في الصحة حق مكفول بموجب الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية والدولة مطالبة بتوفيره لجميع فئات وشرائح المجتمع بنفس الجودة والمواصفات دون اي تمييز على حسب الوضيقة او الطبقة الاجتماعية فكما يعالج الفقير يعالج الغني وكما يعالج المسجون يعالج القاضي دون اي فرق لأن سيناريو وفاة القاضية خلال البحث عن متكرم بقبول علاجها يعتبر وصمة عار سترافق حكومة المشيشي التي فشلت فشلا ذريعا في مجال الصحة .
*3/ يتوجب على الدولة  مزيد الإحاطة بقطاع القضاء من خلال خلق اليات ووسائل تساهم في التخفيف من الإكتضاض الخانق الذي تشهده المحاكم وذلك بمحاولة تطوير العمل فيها ورقمنتها .وتطوير القوانين واتباع البلدان الاوروبية في اتخاذ سياسة العقوبات البديلة ونظام الاصلاح الجنائي للتخفيف من اكتضاض السجون
كما أن اهمية السلطة القضائية في الدولة يجعلها مطالبة بمزيد أخذ الإحتياطات ووضع التدابير لمقاومة الفساد داخل هذا السلك الحساس
*4/ الإبتعاد عن سياسة الوعود الوهمية وتحميل الدولة ما لا طاقة لها به من خلال توزيع وعود هي بعيدة كل البعد عن إمكانية تحقيقها على أرض الواقع في إطار وعود إنتخابية أو وعود لإسكات الإحتجاجات والتحركات  لأن هذه السياسة ساهمت منذ الثورة في تكبد الدولة خسائر مادية دفعتها إلى التداين والدخول في أزمات مالية وتراجع في تصنيفها السيادي . إلى جانب ما سببته الوعود الكاذبة من إنعدام الثقة بين الشعب والطبقة السياسية التي كان من الأجدر أن تتبع مبدأ المصارحة والشفافية والتعامل مع الشعب بكل ثقة
*5/ تعميق مبدأ مكافحة الفساد وتعديل عقوبات الفاسدين بإعتبارهم مجرمين في حق الدولة والنظر في ملفات الفساد المسكوت عنها في جميع الأسلاك ( الديوانة - الصحة - أملاك الدولة ...الخ )
وضرورة النظر في ملفات الفساد الكبرى على غرار الفسفاط والملح وأطنان الأرز المتعفنة في الموانئ والسكر والقمح وفسح المجال أمام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد للقيام بواجبها دون قيود أو تهديدات وعدم الإكتفاء باعتبارها هيكلا صوريا يزين المشهد التعددي في تونس
*6/ ضرورة البت في إشكاليات قطاع الإعلام باعتباره قطاعا من القطاعات التي يحسب من خلالها مدى تقدم الشعوب وضرورة الإحاطة بفرسان السلطة الرابعة من جميع الجوانب لأن الأقلام الحرة هي السبيل لتوعية الشعوب وإطفاء الفتن بعد القضاء على الأقلام المأجورة
في الختام أود أن أنوّه بأن إدارة الدولة لا بد وأن تكون مبنية على أسس علمية وتخطيط مسبق لنتائجها السلبية قبل الإيجابية وإذا وجدتم أنفسكم غير قادرين فافسحو المجال أمام الأجدر بالمهمة أو "فاسألو أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون"
فليس من العيب أان تستعين الدول بكفاءات أبنائها وإستثمارها في ما يفيد هذه الأمة ويضمن رقيها ...وللحديث بقية
*ناشطة جمعياتية مقيمة بسويسرا