المايسترو يحلق بالدراما التونسية إلى القمة

المايسترو يحلق بالدراما التونسية إلى القمة

تاريخ النشر : 09:59 - 2019/05/26

انتهى مسلسل المايسترو مخلفا وراءه متعة فنية لدى المشاهد التونسي الذي يمتلك ذائقة رفيعة للفن و يعد تطورا كبيرا في مجال الدراما التونسية . فهو بمثابة بقعة ضوء في زمن رداءة أغلب المسلسلات التونسية في السنوات الأخيرة. و يمكن اعتبار المسلسل التونسي المايسترو أهم عمل درامي عربي لرمضان هذا السنة.تعود الرفعة الفنية لمسلسل المايسترو إلى إتقان النص و الإخراج. 
تدور الأحداث الرئيسية  للمسلسل داخل إصلاحية أطفال أولاد وبنات.و تحمل قصصهم الأطفال الإصلاحية   في طياتها فشل العائلة والمجتمع  عموما في حمايتهم  من الانحراف و الانتحار و الإرهاب. كما  يعري   المسلسل عجز  النظام القانوني في التعاطي الناجع مع الأطفال الجانحين. إذ يعامل  المراهقين كما يعامل المساجين بتعرضهم للاهانة و العنف النفساني .يساهم الاحتقار و الاتهام المتواصل لهم  في تواصل نقمتهم  على المجتمع و يزيد في نزعتهم إلى ارتكاب الجنح.  وهو ما يجعل  من قصة المسلسل  وقفة تأمل و دعوة لمحاسبة النفس للوقوف وراء الخلل الذي يحدث و يدفع بالأطفال إلى الانحراف.
القضية   الإنسانية الأساسية للمسلسل  هي محاولة زرع الأمل في هذه الفئة التائهة.  و لن يتحقق هذا الهدف إلا بالقدرة على  التفهم و الرحمة و نبذ الكره و القسوة لانتشال هؤلاء الأطفال من الضياع.  اختيار الموسيقى لتأهيل الأطفال سهل بلوغ الهدف الإنساني للقصة  . طبعا لا شيء يعلو على الموسيقى . لأنها قادرة على جعل أقسى القلوب لينة.  أعطى المسلسل القيمة الحقيقية للموسيقى  التي أدت إلى تغيير سلوك مجموعة من الأطفال إلى الأفضل و جّملت رؤيتهم لأنفسهم و للعالم و استعدادهم للبدء من جديد بنظرة ايجابية للحياة.   البعد الإنساني لمسلسل المايسترو رفع من قيمته الدرامية  لأن العمل  الفني الذي لا يكون ملتزما و لا يحمل قضية إنسانية يبقى باردا و خاويا و بلا معنى . 
كما نجح المسلسل في إبراز دور الفن الجمالي. الإصلاحية لم تعد ذلك المكان المغلق و الكئيب الذي شُيّد للزجر و العقاب. و إنما أ صبح فضاء للتضامن و الصداقة و التآخي و الحب.  أزهرت فيه قصص حب طاهرة لا يمكن أن تولد في الفضاء الخارجي العفن.  وهو ما أثبت أن اتهام و  الحكم المسبق  على جميع أطفال الإصلاحية لهم و يعطّل تأهيلهم و حماية المجتمع من جرائمهم. ما يحتاجه هؤلاء الأطفال فقط الحفر على أماكن مضيئة داخلهم لتنتشر بأرواحهم.
 أتقن المخرج   بناء المسلسل على التوازن. هنالك تقارب بين حضور  الممثلين المحترفين و المبتدئين. كما توجد مراوحة منسجمة بين مشاهد الإصلاحية من الداخل و ساحتها الضيقة مع مشاهد  الاتساع للفضاء الخارجي من خلال الرؤية من فوق و الجوانب نهارا و ليلا للعاصمة . 
ككل عمل إنساني، لم يخلو مسلسل المايسترو من بعض النقائص مثل مرض الأخصائية النفسانية يتنافر مع الموضوع الجوهري للمسلسل و هو أهمية وجود أمثال شخصية رقية للمساعدة الإنسانية لأطفال الإصلاحية .هذا بالاضافة إلى تجاهل مهمة الفن في مساعدة مرضى السرطان نفسيا للشفاء  كما يحدث في العديد من الأعمال الدرامية العالمية في السنوات الأخيرة. 
 تتطلب شخصية العائد من سوريا و تأثيره في الأطفال  زمنا أكثر في المسلسل . لو أدرجت من الحلقة 15 ،  لكانت أعمق  لأن تناول قضية استقطاب الأطفال في الإرهاب مهمة جدا .
استند المخرج على شخصية نائلة للراحة الهزلية Comic relief    للتنفيس عن الضغط   الذي  يطغى على  الأحداث  . رغم رفعة القيمة الدرامية للمسلسل  ، لم يستطع التخلص  من الجينات المشوهة و المتوارثة في الكوميديا التونسية منذ بدايتها و هي استعمال لهجة سكان الشمال الغربي .  التعريف الأبسط للكوميديا هو تناول تناقض أو نقص أو خلل ما في الشخصية  مما يثير الضحك. نائلة شخصية تتمتع بخصال إنسانية سامية و هي الأكثر نبلا في المسلسل لأنها في علاقة مباشرة و متواصلة مع الفتيات .و رغم صعوبة مهمتها ضلت مثل أمهم. جعلها محل تهكم خطأ في الفهم الصحيح للكوميديا. شخصية يونس أو شريف أقرب لهدف الراحة الهزلية إضحاك المتفرج  لأنهما  يحملان نقص أنساني  مثل القسوة و الاحتقار.

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15
مرّت ذكرى يوم الطفل الفلسطيني الموافق للخامس من شهر افريل هذه السنة في ظروف صعبة لواقع الطفل الفل
09:16 - 2024/04/15
بقلم: محمد سعد عبد اللطيف (مصر) كاتب وباحث مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية
09:16 - 2024/04/15
ذكرى تونسة الأمن  هي ذكرى خالدة وعزيزة على كل التونسيين، تضاف إلى الذكريات الوطنية الأخرى في تونس
07:00 - 2024/04/14
بحسب رأيي وفي الوقت الحالي وأمام أهوال ما بلغه العدوان الصهيوني على شعبنا وأراضينا الفلسطينية الم
23:29 - 2024/04/10
قال: لولا التقلبات السياسية في أوروبا والتهديدات الألمانية لفرنسا سنة 1938 لتم الحكم على الزعيم ب
07:00 - 2024/04/08
لوقت غير بعيد و تحديدا ما قبل سنة 2011 كانت السياحة في تونس أول مموّل للمالية العمومية من العملة
07:00 - 2024/04/08