الأستاذ بلقاسم جابر: الموجة الثانية من "الربيع العبري".. من الاسلام السياسي الى ا"لاناركية" الفرديَّة الى الخراب الاعظم

الأستاذ بلقاسم جابر: الموجة الثانية من "الربيع العبري".. من الاسلام السياسي الى ا"لاناركية" الفرديَّة الى الخراب الاعظم

تاريخ النشر : 09:17 - 2019/09/27

تعرض "الربيع العبري" الى ضربة قاصمة يوم 30 جوان 2013 في مصر قلب العروبة والاسلام ودولة المركز فقد استطاع الجيش المصري امتصاص الهجمة الاولى الضارية والتعامل معها بحكمة ربان سفينة لا يريد كسر الأشرعة في عاصفة هوجاء...وكان الهزيمة الكبرى الثانية في منطقة صغيرة في سوريا تدعي القصير في نفس سنة 2013.
وفي هذين البلدين الكبيرين كان الجيش عماد الدولة الوطنيَّة يحمل عقيدة واضحة منتصرة للخيارات الوطنية مهما تغيرت الانظمة ولذا فشلت جميع محاولات الاختراق والالتفاف ولكن الجيش لم يكن بمقدوره التصدي للمخطط التدميري للامة والاوطان والمقدرات دون سند شعبي لديه سقف عال من الوعي والمسؤولية ونخب لديها القدرة على التنظيم والتوعية والمواجهة وهي نخب وطنية غير عميلة ولا انتهازية فقد وقع اشتراء الذمم بملايين الدولارات حتى ان الرقم الذي عرض على الشيخ الشهيد سعيد رمضان البوطي كان فلكيَّا فاختار "مكرمة الدنيا على العار"
هكذا سقط في ايدي غرف العمليات "الموك" والدول النافذة والوكلاء المنفذين فقد وجدوا وضعا جديدا لم يعد يهدد خططهم فقط بل اصبح يفرض وضعا جيو استراتيجيا مغايرا وخطيرا ويمثل الاصرار على المضي قدما حمقا ودمارا سيؤدي عكسيا الى هزائم مذلة والى تعرض الكيان الصهيوني الى مخاطر فعليَّة تهدد وجوده هذه المرَّة والى تغيَّر خارطة النفوذ التي وضعت بعد مؤتمر يالطا تماما
بقيت ثلاث دول تصارع مخلفات الربيع العبري هي اليمن وليبيا وتونس أما اليمن فتحولت الى ساحة صراع اقليمي بين ايران والسعوديَّة ومهما يكن هذا الصراع فانه يعلن فشل الربيع العبري ايضا في هذه الدولة الممزقة والمدمرة اما في ليبيا فالمعركة تتجه الى حسم عسكري لا ينتظر الا اتفاقا دوليا لتقاسم المصالح والمهم ان القوى الاخوانية المتحالفة مع الدواعش هي اليوم محاصرة في شريط ساحلي ضيق فاقدة لعناصر القوة والصمود والامتداد الشعبي والموارد النفطية
اما في تونس فقد تحوَّل هذا الربيع الى مهزلة سياسية وتوافقات بين مراكز النفوذ والمافيات والمهربين يشرف عليها السفراء المقيمون العامَّون في ظل انهيار للاقتصاد والبنى الاجتماعية والنظم التعليمية والادارية واختراقات امنية واغتيالات غامضة وحسبك أن "الدولة " عاجزة عن القضاء على  ما ينيف عن 70 ارهابيَّا يتحصنون بجبل محاصر تماما  منذ 2012
حاولت "النخبة الهشَّة" التي ركبت على الترتيب الدولي بتغيير نظام بن علي عبر مراكز قوته المنخرطة في المشروع الامريكي أن تسيطر على القرار السياسي والقانوني الدستوري  والاعلامي لفرض مشهد محكم وأمر واقع يوهم بالحريَّة والديمقراطيَّة والشفافيَّة ومقاومة الفساد وكان الأمر بشكله الثوري الطهوري الاول مستحيلا ولذا قبلت على مضض بما سمته "مشاركة المنظومة القديمة" ولكنها فرضت عليها الانخراط في المنظومة الثورجية وكان قبول "الازلام " والفلول تلافيا لخلق غضب شعبي وخوفا من استهداف مسار كامل
ولكنَّ المشكلة ان عملية "التثوير" الفوقي القسري كانت تفتقر الى الثقل الشعبي رغم التحشيد والبروباقندا والسيطرة الاعلامية التامة فقد انفصل الشعب تماما عن الاوهام الثوريَّة واصبح يلعن "ثورة البرويطة" صباحا مساء وظهر بالكاشف ان ما يجري وما جرى ليس الا رهنا للبلاد في "لعبة الامم"
لم يكن المجال متسعا لقوى النفوذ الدولي لتعديل مسار النخب "الثورية " المفلسة سواء التي تمارس الحكم التوافقي الزائف او التي تركب المعارضة الشكلية لطرق الحكم لا للمسار العام "فملَّة الثورجيين واحدة" ولذا مرت الى السيناريو الثاني للربيع وهو مسار "تحشيد الفوضويين"
كشف فوز احد الاساتذة الجامعيين المجهولين قبل 14 جانفي والذي كان ظهوره الاعلامي "مسرحيا "  عن تحركات جرت طيلة سنوات في كنف الغموض وشبه السريَّة والتعتيم وانها كانت تؤسس لاستعادة اللحظة الثورية الاولى بادواتها البدائيَّة والانطلاق منها لتاسيس نظام جديد او جمهورية ثالثة او كومونة تونسيَّة تقطع مع العمل التقليدي الحزبي ومع "السيستام"...وحالما فاز "سعيَّد" بالدور الاول وبدا طريقه الى القصر الرئاسي حتما مقضيَّا انطلق المثقفون التونسيون يفتشون عن خلفيات الرجل ومنطلقاته ومشروعه ولم يكفهم النزر القليل الذي وقع نشره وقاموا بعمليات تحفيز كبرى لدفعه الى "الكلام المباح" وكان كلامه حذرا جداَّ يقفز على مهامه الدستوريَّة المنوطة به حسب دستور 2014 فالرجل يصرَّ على تقديم مشروع كامل لا يتمَّ الا عبر نظام رئاسوي له فيه سلطة القرار والارشاد والتوجيه
اتجه الجميع الى سؤال بمن؟ وكيف؟ ومتى؟ وهي اسئلة تهرَّب منها الرجل الى نسج "يوتوبيات تونسيَّة" لا صلة لها بالواقع والتحديَّات والأزمة التونسيَّة ولا علاقة لها بموقع البلاد وتفاعلها ولاارتباط بين مشروعه وما أنتجته النخب التونسية منذ اكثر من قرن ونصف من رؤى تقدمية وتنموية وفكرية
انه مشروع ظاهره الحلم التونسي وباطنه الفراغ والسديم والثقوب السوداء فالبلاد  لم تحسم بعد مع مشروع الاسلام السياسي الذي اهترأ في نسخته الاخوانية ولكن بديله الداعشي الفوضوي كامن كمون النار في الحجر ينتظر بلهفة عودة "الدولة الضعيفة" ليعوض الفراغ الذي يعتبره "سعيَّد" أرضيَّة انموذجية لانشاء الحكم الشعبي من المحلي الى الجهوي الى الوطني متعاليا على بنية قبيلية وعشائرية وعن خلايا نائمة ومتيقظة ومتحفزة وعن قوة مافيوزية ضاربة تتمعش من التهريب وترعى شبكاته وأقصى امانيها ان تتلاشى قبضة الدولة المركزيَّة لتؤسس "كارتلاتها" المرعبة
ولكن الخطر المتربص ليس وطنيا محليا بل هو الارهاب المعولم الذي هزم في سوريا وليبيا ويقع تجميع قيادته وفلوله في معسكرات كبرى لاعادة توزيعه على مناطق صراع جديدة لسحق ما بقي من دول قائمة في الامة ...
لقد طرح البعض سؤال =ما الحاجة إلى فوضى عارمة لا يمكن التحكم فيها والقوى المتنفذة قادرة على توظيف الأدوات السلطوية الحاكمة؟؟
الجواب هو أن هذه الادوات اشتغلت طويلا لاحداث ثغرة لضرب الجزائر فاستقدمت  القوى الشبابية التي وقع تكوينها في منظمات "ايبور" و"راند" وسوروس" ومكنتها من فضاء سيبارني ولكن المخابرات الجزائرية فككت هذه الخلايا واضطرت حكومة الترويكا الى ابعادهم بعد انكشافهم ..وهذه الحكومات محاصرة بقوى وطنية تراقبها جيدا وتحصي انفاسها وهي القوى التي تصدت لبناء قاعدة الافريكوم وكشفت شحنات الاسلحة البلجيكية التي تحولت الى لعب اطفال ومحاصرة برفض القيادات العسكرية والامنية التورط في الملف الجزائري..وهذه القوى الوطنية حاصرت محاولات المرزوقي اليائسة لاختراق المؤسسة العسكرية وتهيئة الظروف اللوجستية والسياسية والاعلامية والشعبية لافساد العلاقة الاخوية التونسية الجزائرية....ولهذه الامور وغيرها فانه لا حل لتعجيل برنامج الوجه الثاني للربيع إلا المرور باقصى سرعة الى تقويض الدولة الوطنية وعزل قواها الحية واختراقها دعائيا بتزيين مشروع هلامي خادع فارغ في محتواه ولكن عمقه الخفي الحقيقي هو الفوضى المدمرَّة التي ستكون قنطرة لمرور الالاف من المتربصين في مخيمات غازي عينتاب وصبراطة وقد وصلت طلائعهم من خلال دعوة القوى العميلة الحاكمة الى عودة "المقاتلين في بؤر التوتر" بمقتضى الدستور النوحفليدماني....
 

تعليقات الفيسبوك

في نفس السياق

قياسنا هنا 7 أكتوبر وطوفان الأقصى واليوم الماءتان.
23:48 - 2024/04/23
تعقيبا وتعليقا على الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل كردة فعل على الهجوم الصهيوني الذي أودى باس
07:00 - 2024/04/22
تزامن عيد الفطر هذه السنة في غزة مع دخول طوفان الأقصى شهره السابع وما خلّفه العدوان الصهيوني من د
07:00 - 2024/04/22
تصاعدت منذ انطلاق طوفان الأقصى وتيرة مواجهة الكيان الصهيوني من خارج فلسطين وأصبحت ظاهرة بارزة بصد
07:00 - 2024/04/21
لم يكن قصف القنصلية الايرانية في دمشق عملا عبثيا وانما عملا مخطط له هدفه خلط الاوراق اقليميا ودول
07:00 - 2024/04/21
-إذا كان الوعي من أعمال العقل،وإذا كان العقل يغلب عليه التشاؤم أحيانا،وهو يحلّل ويستقرئ ببرود وحي
09:16 - 2024/04/15
مرّت ذكرى يوم الطفل الفلسطيني الموافق للخامس من شهر افريل هذه السنة في ظروف صعبة لواقع الطفل الفل
09:16 - 2024/04/15